تعزيز الثقة في نفوس الأطفال

نادية المكتومية

مرَّ سيدنا عمر بن الخطاب بأطفال يلعبون بشارع من شوارع المدينة، فهرب جميع الأطفال ما عدا طفل واحد، هو عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، فسأله عمر لماذا لم تهرب كباقي الأطفال؟ أجاب الطفل: لست مذنبًا فأخاف منك وليست الطريق ضيقة فأوسع لك(هذه هي الثقة بالنفس وهذه هي الشخصية المسلمة التي نريد).

الثقة من الأمور المهمة التي يجب أن تزرع وتعزز في نفوس أبنائنا، وتنشأ هذه العلاقة من خلال الاتصال والتواصل الذي يتم بين الأب والأم وبين الطفل، فهي تراكم لخبرات يمر بها الطفل مع والديه، ولا تولد بين عشية وضحاها إنما من خلال التفاعلات اليومية داخل محيط الأسرة ويلعب الوقت دورًا مهمًا في بنائها.

ويكتسب الطفل من خلال ثقة الوالدين به سمات وفوائد تربوية عديدة:

1. تزداد ثقته بنفسه: ونعني بها أن الطفل يثق بقدراته وقيمه وأخلاقه النابعة من داخله وليس على الرقابة الخارجية.

2. الشعور بالتميز: فثقة الوالدين بالطفل تشعره بالتميز والتفرد وبأنّه كيان مقدر.

3. الشعور بالافتخار: حيث يشعر الطفل بكرامته وعزته مما يساعد في خلق شخصية قادرة على الدفاع عن مبادئها مقاوماً للانحراف وتبني لديه القدرة على قول (لا) في وجه من يغاير مبادئه التي هي منبع عزته وكرامته.

4. بناء الصدق: الثقة بالطفل تجعله صادقا مع أهله وبالتالي مع نفسه، لأنه لا يخاف من مصارحة أهله بل على العكس هو يدرك أن الصدق والصراحة تقربه من أهله، على عكس الطفل غير الواثق يلجأ غالباً للكذب بسبب الخوف من الأهل.

5. تحمل المسؤولية: فالثقة تجعل الطفل يقبل على أداء المهام الحياتية بكل ثقة لكي يظهر في عين والديه بأنه على قدر الثقة الممنوحة له.

6. القدرة على استنطاق ذاته والتعبير عن نفسه: فالطفل الواثق يتكلم بدون خوف ويعبر عن نفسه وأفكاره بأريحية لأن المحيط يشجعه ويمنحه هذه الثقة.

ما أروع هذه السمات والمزايا التي نمنحها لأطفالنا عندما نثق بهم..

هناك كثير من التصرفات التي يقوم بها الآباء والتي يمكن أن تقطع أواصر الثقة بينهم وبين أبنائهم من مثل:

1. قطع الوعود وعدم الوفاء بها للطفل.

2. العنف بشتى صوره والضرب وخاصة على الوجه يجعل الطفل خائفا من الوالدين ولا يجتمع الخوف والثقة.

3. المزاجية وعدم وجود قوانين واضحة في التعامل مع الطفل يشعره بالقلق، فعندما يكون مزاج المربي سيئاً يعاقب ويقسو وعندما يكون مزاجه جيداً يتسامح ويعفو،كل ذلك يجعل الطفل مشوشا قلقا غير قادر على معرفة الضوابط والحدود.

4. المحاسبة المفرطة وتصيد الأخطاء وإرغام الطفل على عمل الأشياء التي يريدها الوالدان دون حوار ولا اقتناع.

5. كثرة النقد واللوم والتوبيخ خاصة أمام الآخرين.

6. فقدان الحب وعدم التعبير عن الحب للطفل بشكل لفظي وجسدي يجعل الطفل يحس بأنه غير محبوب وغير شاعر بالأمان.

تذكر عزيزي المربي أن الطفل الذي يكون مقدرا وموثوقا فيه من قبل أسرته سيسعى لكسب ثقة المجتمع من خلال حرصه على السلوك السليم والتعامل بقيمه ومبادئه التي تعلمها في بيته، فابتعد كل البعد عن الأمور التي تهدم الثقة لأنها تهدم حياة الطفل في المجتمع لاحقًا.

هناك الكثير من الأمور التي تستطيع القيام بها لزرع الثقة في نفس طفلك نجملها في النقاط الآتية:

· تعلم فن الاعتذار: بمعنى متى ما أخطأت في حق طفلك بادر واعتذر منه وعلمه بأننا حتى ونحن كبار نخطئ أحيانا، فليس العيب بالخطأ الأهم أن نعتذر ونصلح ما أفسدناه.

· ضع قواعد ثابتة وواضحة لتنظيم حياة الطفل، واتفق معه عليها وقبل ذلك ناقشه وحاوره فيها، قواعد للمقبول من السلوكيات والمرفوض منها، لأنها تشعره بالأمان، واحرص أنت ومن يقوم معك برعاية الطفل على الالتزام بها في كل وقت مهما كانت الظروف.

· امدحه وعززه أمامك وأمام الآخرين، وانتقد فقط سلوكه الخاطئ وليس ذاته، فلا تقل إنك طفل سيئ إنما قل: صراخك على أختك تصرف سيئ، وذلك لحماية ذاته مصانة والتركيز على تعديل السلوك الخاطئ.

· عبر له عن حبك باستمرار.

· حاوره وأقنعه بما تريد بتقديم أسباب إيجابية فمثلا لا تقل له (اخفض صوتك) بل (الصوت الهادئ أجمل للأذن خفض صوتك) فهذا التبرير يجعله يقتنع بعمل السلوك الصائب.

· اشرح له المهمات المطلوبة منه بالتفصيل وذلك عندما تريد منه القيام بعمل ما، فلا تقل له: الملابس مبعثرة في غرفتك جمعها) إنما قل له (اذهب لغرفتك واحمل سلة الملابس واجمع ملابسك من الأرض والسرير وضعها في المكان المخصص لكي تحافظ على غرفتك نظيفة ومرتبة).

· علمه ثقافة (شكرًا،، لو سمحت) أي أشكره على ما يقوم به من سلوكيات وأعمال حسنة، واستأذنه قبل طلب شيء ما منه.

عزيزي المربي، أهديك هذه القصة اقرأها بقلبك وعقلك،

"انفرد صانع قلم الرصاص بقلم رصاص قبل وضعه في العلبة وقال له: هناك خمسة أشياء عليك معرفتها قبل خروجك إلى العالم، تذكرها دائمًا ولا تنساها حتى تكون من أميز أقلام الرصاص:

أولا: اعلم بأنك ستقوم بأشياء عظيمة ولكن فقط عندما تسمح لنفسك أن تكون بين يدي أحدهم.

ثانيا: كما ستتعرض لشحذ بين الفينة والأخرى لكنك تحتاجها لتعمل بشكل أفضل.

ثالثا: سيكون عليك تصحيح الأخطاء التي تقترفها.

رابعا: واعلم أن أهم جزء فيك هو ما بداخلك.

خامسا: على أيّ سطح تكتب عليه اترك أثرا ومهما كانت الظروف استمر في الكتابة.

فهم قلم الرصاص النصائح الخمسة ووعد بأن يتذكرها فذهب إلى العلبة وهدفه يملأ قلبه..

عزيزي المربي أتمنى أن تكون القصة قد أعجبتك، وأتمنى أن تعد نفسك وتعدني كما وعد قلم الرصاص بالآتي:

1. التربية مهمة عظيمة فاسمح لنفسك أن تتدرب وتتعلم من الآخرين عليها تمامًا كقلم الرصاص بين يدي الكاتب.

2. نعم قد تمر بلحظات إخفاق وتعثر في طريقة تربيتك لأبنائك لكنك ستقف فاجعل هذه العثرات سببًا لشحذ همتك وتغييرك للأفضل تمامًا كما نبري قلم الرصاص ليكتب أفضل.

3. ليس العيب أن تخطئ في مشوار تربيتك لأبنائك إنما الأهم تصحيح هذه الأخطاء في تربيتك لهم كما يفعل قلم الرصاص بممحاته.

4. إيمانك بنفسك كمربٍ من داخلك وبأنك تستطيع القيام بدورك التربوي يخرج أفضل ما عندك مثل الجرافيت في قلم الرصاص.

5. اترك أثرًا في حياة أبنائك مهما كانت الظروف من حولك ولا تيأس واستمر واجعل هدفك من تربيتهم يملأ قلبك كهدف قلم الرصاص..

نعم عزيزي المربي أنت قادر فابدأ من اللحظة..راجع سلوكياتك التربوية وعدل ما يحتاج لتعديل، واكتسب ما ينقصك.. فالثقة احتياج نمائي عند أبنائنا.

تعليق عبر الفيس بوك