عن معرض الكتاب

ناصر محمد

في بلد مثل السلطنة ليس للقارئ الجاد والباحث خيار سوى أن تكون له مكتبته الخاصة، فندرة المكتبات العامة وضعف العرض في المكتبات التجاريّة يجعل من مشروع تكوين مكتبة خاصة أمرًا ملحًا، خاصة بعد توفر المصادر الخارجية مثل مواقع بيع الكتب إلكترونيا ومعارض الكتب. ولكن تكوين مكتبة خاصة ليست بالمهمة اليسيرة، فالأرفف المراد حشوها بالكتب تستحق أن تكرم بالكتب الجيدة، وأن تنتقي كتبا جيدة يعني، قبل كل شيء، أن تملك ذائقة جيدة!

هناك شعور بالذنب عادة ما ينتاب بعض منتقي الكتب الشرهين خاصة بعد الخروج من معرض الكتاب، وهذا الشعور سببه الخوف من ضياع النقود الكثيرة على كتب قد لا تستحق هذه التضحيّة! وقد اتفق مع هذا الخوف لأسباب عديدة من ضمنها أنّ دور النشر الحاضنة للكتب الجيدة قليلة بعض الشيء مثل دار المدى ودار الفارابي والآداب والمؤسسة العربية للدراسات والنشر والمركز القومي للترجمة ومركز دراسات الوحدة العربيّة ومكتبة مدبولي ودار الجمل ودار علاء الدين ودار منى، وتتشارك مع هذه المكتبات دور نشر أخرى تعرض عناوين مشابهة لنفس المؤلفين ولكن بترجمة وطباعة مختلفة، وهنا بالفعل تبدأ المأساة حين تقتني كتابا مترجمًا ترجمة سيئة أو مبتورًا أو مطبوعًا بطريقة منفرة من دار مغمورة تحتضن عناوين مثيرة ومعروفة وبسعر مغر، فمثلا وجدت نسخة للكوميديا الإلهية لدانتي في أحد دور النشر المغمورة بجزء واحد صغير، في حين أنّ الكوميديا بنسختها الأصلية تصل إلى ثلاثة أجزاء أو أكثر، ومن خلال البحث في دور النشر لمحت رواية "الجريمة والعقاب" لدوستويفسكي لاتتجاوز 60 صفحة، في حين أنها في دار ابن رشد، التي لم تتواجد الآن، يبلغ عدد صفحاتها أكثر من ألف صفحة! ويعلل البائع ذلك أن القارئ لا يهتم سوى بالفكرة فلماذا الحشو!!

وهناك إشكالية أخرى في نفس الموضوع، وهي أنّ الترجمة قد تكون غير مبتورة ولكنها غير جيدة، وهذا يرجع إلى الجهل بكبار المترجمين لمن هم متذوّقون بالوكالة، أي من ينتقون الكتب بناء على نصيحة قرّاء موثوقين لديهم، وهناك تعمد من بعض دور النشر أن تخفي اسم المترجم عن الصفحة الغلاف الجذابة وأحيانا إزالته نهائيا من الكتاب!

أمّا كتب تطوير الذات فقد كان لها الحضور الكبير في المعرض، وتتميز هذه الكتب بعناوينها ذات الغاية النفعية وأغلفتها البراقة، وتهتم ببناء الذات أكثر من نقدها واختبارها، لهذا يفضل المرور سريعا عليها، خاصة عن الباعة الناجحين في مغازلة الجيوب واللعب بمرضى العصر بعرض أدويتهم الوهميّة! ومما يزيد المشكلة سوءًا أيضًا الوقت المهدور من قبل الباحث عن الكتب بسبب عدم توفر دليل لمواقع الدور، وهذه المعضلة تكررت في السنتين الأخيرتين.

وتكثر في المعرض الكتب التي تتناول كتبا أخرى، وهي ما تسمى بالمراجع من الدرجة الثانية، ويظن القارئ أنّه بقراءته لهذه الكتب قد اكتفى من قراءة الكتاب الأصلي، بدون استحضار أنّ هذه النوعية من الكتب قد تكون موجهة أيديولوجيًا أو دينيًا فتشوّه الكتاب الأصلي وفكرته وتفوت على القارئ التعرف على الكثير من الكتب بسبب رميها في سلّة الأفكار المنبوذة!!

وللمهتمين بالمسرح، فلقد بدأت كثير من دور النشر التوقف عن طباعة عيون المسرح العالمي، فكثير من المسرحيّات غير موجودة في المعرض مثل مسرحيات النرويجي "أبسن" والالماني "برتولد بريخت" وغيرها، وعزا بعض البائعين ذلك إلى تغير ثقافة العصر بخصوص المسرح وبالتالي تغير وجهة الاستثمار!!

وبخصوص الإصدارات العمانية الجديدة، فالملاحظ أنّ الكثير منها ذو توجه أدبي، وتزخر بها الكثير من المكتبات مثل دار الانتشار العربي ودار الفرقد ودار مسعى وبيت الغشام، بينما الإصدارات ذات التوجه العلمي فهي شبه غائبة إلا في ركن يتيم هو الجمعية الجيولوجية، وربما يلفت النظر الآن إصدارات فكريّة في الكتابات الاستشراقية عن عمان، فكثير من الكتب تتناول عمان بعيون المستشرقين مثل كتاب الدكتور هلال الحجري وغيرها من الكتب، وهي تنافس بالتالي الكتب التراثية للتاريخ العماني. ولكن المحزن في الموضوع أنّ جرد هذه الكتب هي عملية صعبة للباحث، خاصة لعدم وجود قاعدة بيانات معينة عن الكتب الحديثة وكذلك بسبب عدم وجود مكتبة متخصصة يتم الرجوع إليها.

تعليق عبر الفيس بوك