الأمراض الوراثية.. وأخطاء الآباء وآلام الأبناء

مدرين المكتوميَّة

 

الزواج.. واحدٌ من أبرز الأحداث المهمَّة في حياة الفرد -ما لم يكن بالنسبة لآخرين هو الأبرز على الإطلاق- إذ يُعد تدشيناً لحياة أسرية جديدة؛ ومن خلاله يدخل الفرد مرحلة مختلفة في بناء العلاقات العاطفية والاجتماعية الأسرية والصحية؛ لذا يأتي الحديث عن وقاية الطرفين والذرية من الأمراض الوراثية والمعدية، على رأس أولويات بناء واستقرار تلك الأسرة الجديدة؛ بما يضمن لها أن تؤدي وظائفها بنجاح، خصوصا وأن إصابة أحد أفرادها (لا قدَّر الله) بأحد هذه الأمراض، تعكر صَفْو الحياة، بخلق عدَّة مشكلات نفسية واجتماعية واقتصادية.

ليطل الحديث عن أهمية الفحص قبل الزواج، برأسه مجددًا؛ كما تطل معه الخلافات حول التزام الجميع بإجرائه وُجوبا وليس اختيارًا؛ باعتباره من الأهمية بمكان؛ خصوصا وأن الوالدين هما المسؤولان عن تجنب أو تحمُّل تبعات موافقتهما على الاستمرار في علاقة "تلوثها" فيروسات قد تقض مضاجع السعادة الزوجية، وتخنقها بالمشكلات والتعب والإرهاق والتفكير والمواعيد التي لا تنتهي.. فاللحظات الجميلة التي يظنون أنها لن تتكرر إلا مع شخص بعينه، ستكون هي ذاتها السبب في دمار عائلة بأكملها.. والمحزن في الأمر أنْ بعض الآباء ممن عانوا ويلات هذا الأمر مع مرض أحد أبنائهم، تجدهم مصرِّين على الإنجاب مرة أخرى وثالثة، لأجل أن يكون لديهم طفل أصحاء، على حساب زيادة عدد الأطفال المرضى؛ وهم لا يعلمون أنهم يُصدرون بذلك حُكمًا بالإعدام على أطفال أبرياء لا حول لهم ولا قوة.

ومن قبيل الشيء بالشيء يُذكر، فإن انتشار ظاهرة زواج الأقارب، يُعتبر واحدًا من مسببات الكثير من الأمراض الوراثية؛ خصوصا أمراض الدم، والتي وصلت إلى أعداد مخيفة في مجتمعنا العُماني؛ حيث قاربتْ النسبة نصف السكان، فيما يُمكن أن يُوصف بالوباء.

وأسرد هنا عددًا من التبعات علَّها تكون بمثابة وعظًا اجتماعيًّا للمتزوجين والمقبلين عليه؛ أولها: الحالة التي يعيشها المريض وأسرته والوضع النفسي الذي يمرون به، إلى جانب التكاليف الباهظة والثمينة التي تتكبدها الأسرة، إذ في كثير من الأحيان يظل الشخص منذ ولادته وحتى مماته مُرتبطا بالمستشفى.

وأضيف بأن تبعات الأمر تصل إلى المنظومة الصحية بشكل عام، إذ قد لا يدرك الشخص حجم المعاناة التي تعانيها وزارة الصحة لأجل توفير الأدوية اللازمة والعمليات وتكاليفها إلى جانب أكياس الدم وفصائل الدم التي يكون بعضها نادرًا؛ صحيح أنها المسؤول الأول عن أي نقص أو تقصير على المستوى الصحي، إلا أنه أيضًا ليس من العقل في شيء أن تكون النسبة الأكبر من ميزانية الصحة منصبة لعلاج الأمراض الوراثية!!!!!

... الأمر بات مقلقا فعلا، ويتطلب وضعَ حلول لازمة وعاجلة للتغيير؛ وفي رأيي أن كلمة السر في ذلك هي "التوعية الاجتماعية"، خاصة وأننا اليوم أصبحنا نواجه أزمة وصلت إلى حدِّ الوباء؛ نتيجة انتقال الأمراض الوراثية من الآباء إلى الأبناء، مما يدق ناقوس الخطر لسرعة وضع الحلول الجذرية (المدروسة بعناية جيدًا) والتي تساعد على تجاوز المشكلة.. ومن الحلول التي أراها -من وجهة نظري- باتت بحدِّ "المطلب الجمعي": ضرورة إعادة النظر مرة أخرى في القانون المتعلِّق بالزواج؛ خصوصا مُراجعة تشريعات "الزواج من الأجانب"، بما يكفل تخفيف الشروط والعمل على تسريع الإجراءات بصورة تضمن الحفاظ على صحة أبنائنا؛ الذي يعانون على وقع "المرض"؛ باعتبارهم عماد هذا الوطن ومستقبله الواعد.

madreen@alroya.info

تعليق عبر الفيس بوك