انطباعات زائر

جعفر الشايب

لا يسع الزائر لسلطنة عمان إلا أن يخرج منها بانطباعات إيجابية من نواحٍ عديدة تتميز بها هذه البلاد وأهلها، وأشكر الزملاء في صحيفة الرؤية الذين أكرمونا - ومجموعة من الأصدقاء - بتنظيم هذه الزيارة تزامنًا مع فعاليات معرض مسقط الدولي للكتاب وأتاحوا لنا فرصة التعرف والاطلاع على مختلف مناحي الحياة الاجتماعية والثقافية في عمان. المجتمع العُماني منفتح على الثقافات المختلفة ويتميّز بحالة متقدمة من التسامح الاجتماعي والديني، ليتجاوز التعددية المذهبية القائمة على احترام الأديان وحقوق أتباعها والمنتمين لها متمثلة في تهيئة أماكن العبادة لهم ولدفن موتاهم وجميع ما تتطلبه شعائرهم وطقوسهم. طبيعة الشخصية العمانية وانفتاحها، إضافة إلى السياسات العامة والبرامج والمناهج التعليمية والثقافية قادت بشكل طبيعي إلى حالة انسجام مجتمعي حمتهم من التوترات والتشنجات التي تسود مختلف المجتمعات العربية في هذه المرحلة. فلا يزال التزاوج بين مختلفي المذاهب أمرًا معتادًا ومتعارفًا عليه في المجتمع العُماني، وكذلك المشاركة في حضور مختلف المناسبات الدينية كمؤشرات على عمق النسيج الاجتماعي وتجذر العلاقات بين مختلف مكونات المجتمع. ذهبنا لصلاة الجمعة في الجامع الأكبر في مسقط ونحن مجموعة أشخاص من مذاهب مختلفة، ولم يتولد لدى أيّ منا شعور بالاختلاف مطلقًا على الرغم من تباين طريقة أداء الصلاة. إن موضوع التسامح في عمان بحاجة إلى دراسة متأنية وعلمية نحن في أمس الحاجة لها وخاصة في هذه المرحلة التي تمر بها منطقتنا من تطرف ديني وإقصائي وتشنجات وتوترات اجتماعية متعددة، فعُمان تشكل نموذجا متميزًا للتعايش والتعددية والاندماج المجتمعي. المرأة العمانية حاضرة في كل الأصعدة وعلى مختلف المستويات، فهي مشاركة في الوزارة منذ أكثر من عشرين سنة، ممثلة بأربع وزيرات حالياً، كما أنها ممثلة في مجلس الدولة المعين بست عشرة عضوة مقابل عضوة واحدة فقط في مجلس الشورى المنتخب وذلك من أصل ٨٤ عضوًا في كل مجلس. وللمرأة العمانية مشاركات فعّالة في مجال الأعمال والثقافة والخدمات الاجتماعية المختلفة، كما أنها دخلت القطاعات العسكرية والأمنية المختلفة منذ بداية السبعينات. لفت انتباهي مبادرة رائعة تحت مسمى "اللجنة الوطنية للشباب" تعنى بالعمل على إشراكهم في الشأن العام ودراسة ومعالجة قضايا الشباب من خلال برامج استكتاب جادة يشرف عليها أكاديميون حول أهم المواضيع التي يرى الشباب أولويتها. وتؤخذ هذه الدراسات والأبحاث بجدية ويتم إيصالها للجهات الرسمية ذات العلاقة لتضمينها في خطط وبرامج عملهم. في مجال الخدمات العامة، تبدو مسقط من أجمل المدن العربية وأكثرها اهتماماً بالتراث والتاريخ، فقد تحولت معظم مباني المنطقة المركزية فيها إلى متاحف تراثية ومراكز تاريخية وأماكن لعرض المقتنيات الأثرية ومقاهٍ ومطاعم شعبية. القلاع الكثيرة التي تشتهر بها عمان إجمالاً تمت إعادة ترميمها وفتحها للزوار والسياح والاهتمام بها عبر تنظيم إقامة مستمرة للعاملين فيها لصيانتها والمحافظة عليها. ينال الشعر والأدب القصصي موقعا بارزا في المشهد الثقافي العُماني، فلا تتواجد في جلسة إلا وكان الشعر حاضرا حفظا وتأليفا وإلقاءً. نقل لي أحد الناشرين أنّ ما يميز معرض مسقط الدولي للكتاب عن غيره أنّ معظم رواده من عوائل كاملة بجميع أفرادها وأنهم يتحاورون ويتناقشون مع الناشر حول مختلف الإصدارات ليكون شراءهم عن علم ومعرفة وفهم. اكتمل جمال هذه الزيارة بحضور حفل التكريم الذي أقامته صحيفة الرؤية لكتابها، تضمن حوارًا مفتوحًا وشفافًا بين مجموعة من صناع الرأي حول قضايا المنطقة العربية ومسؤولية المثقف في هذه المرحلة. وعلى الرغم من تباين وجهات النظر، إلا أنها كانت فرصة ذهبية للحوار وتبادل الآراء حول أسباب تردي الأوضاع ومدى الحاجة إلى تنمية الوعي في مجتمعات هذه المرحلة.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة