بقلم/ حاتم الطائي
تهاوت أسعار النفط الخام خلال الأيام الماضية لتصل إلى أدنى مستوى لها خلال عامين، وهذا الهبوط الحاد يجعلنا نتوجّس خيفة من الإسقاطات على الاقتصادات النفطية في منطقتنا الخليجية واقتصادنا العماني ليس استثناءً من ذلك..
أسباب التراجع في أسعار الخام عديدة ومتشابكة، إلا أن أعظمها تأثيرًا: تعثر مسيرة النمو الاقتصادي في الدول الصناعية الكبرى مثل ألمانيا والصين واليابان؛ والذي بدوره أثر سلباً على الطلب على النفط.. وهذا ليس السبب الوحيد حيث إنّ المعروض العالمي من النفظ آخذ في التزايد مع دخول الخام الصخري إلى حلبة المنافسة قادمًا من الولايات المتحدة والتي وصل إنتاجها في أغسطس المنصرم إلى مستوى قياسي خلال ثلاثين عامًا.. يضاف إلى ذلك عامل ارتفاع الدولار الذي تُسعّر على أساسه معظم الخامات، كما ظهرت خلال الفترة الوجيزة الماضية عدة مؤشرات على ركود اقتصادي مرتقب منها هبوط العملات الآسيوية، حيث انخفض اليوان الصيني إلى أدنى مستوياته، وخسر الروبل الروسي 40% من قيمته نتيجة للعقوبات الاقتصادية الغربية على موسكو بسبب أزمة أوكرانيا.. ومحصلة هذا الركود ضعف القوة الشرائية لهذه الدول للنفط..
وساهمت الفوضى السياسية في العديد من الدول المنتجة للنفط مثل العراق وليبيا وسوريا، والعقوبات الاقتصادية على إيران، في إيجاد سوق سوداء لبيع النفط بأسعار منخفضة.
والخلاصة أنّ سوق النفط تتحكم فيه عوامل كثيرة خارجة عن إرادتنا.. حيث تشكل كل هذه العوامل مجتمعة كوابح في وجه صعود أسعار النفط، بل وتدفع بها إلى مستوى أدنى من أن يلبي حاجات الدول المنتجة؛ الأمر الذي يضطرها إلى إعادة ترتيب أولويّاتها الاقتصادية وما يترتب على ذلك من تقشف قد يؤدي إلى أعراض جانبية..
ولأنّ الموازنة العامة للدولة لدينا تعتمد بشكل رئيسي على النفط وأي تذبذب في الأسعار وخاصة أقل من 90 دولارًا، يقرع جرس الإنذار، ويتطلب ربط الأحزمة.. فالميزانية الحالية احتسبت على أساس سعر 85 دولارًا للبرميل، بينما سجل تداول العقد الآجل لخام عمان تسليم شهر ديسمبر أمس الأول نحو 88 دولاراً أمريكياً للبرميل، وهو مستوى سعري يلامس
خط الحذر، الأمر الذي يستدعي المراجعة بالتكيّف مع هذا الوضع المستجد عبر تبني حزمة من الإجراءات الهادفة يتصدرها ترشيد الإنفاق والعمل على تنويع مصادر الدخل بشكل أكثر جديّة والتركيز على مشاريع الاستدامة الاقتصادية في الأنشطة السياحية والصناعية والخدمات اللوجستية وغيرها من القطاعات الإنتاجية غير النفطية..
ويشكل دعم الوقود أحد أهم بنود الموازنة الذي يكلف مليار ريال سنوياً وهي في تزايد سنوي بنسبة لا تقل عن 15% الأمر الذي يستدعي إعادة النظر في رفعه بشكل تدريجي وعلى جرعات على مدى خمس سنوات على سبيل المثال. وفي هذا السياق لابد من الإسراع في تأسيس منظومة النقل العام لمواجهة الحاجة الماسة إليه وخاصة في محافظة مسقط التي يقارب عدد سكانها المليون نسمة.
ومن الأدوات الأخرى التي يمكن النظر إليها زيادة كفاءة النظام الضريبي، حيث لابد من دراسة متأنية للتحويلات الخارجيّة، وكيف يمكن الحد منها عبر مراجعة بعض القوانين، وتعزيز جودة بعض القطاعات الخدميّة مثل النظام الصحي حيث يتوجّه مئات الآلاف سنويًا إلى العلاج في الخارج والحد من نظام الإجازات الطويلة في الأعياد، والتي تسمح لمئات الآلاف من المواطنين والوافدين بمغادرة البلاد وصرف مئات الملايين في الخارج للسياحة والاستجمام.
وتزداد حاجتنا إلى تطبيق هذه الإجراءات خاصة وأننا على أبواب عام جديد، وميزانية جديدة، نتطلع إلى أن تقلل من الاعتمادية العالية على النفط، وتحفيز القطاعات غير النفطيّة لتزيد من مساهمتها في الناتج القومي، وتعزيز ثقافة العمل الجاد وخاصة لدى فئة الشباب؛ لأنّ ذلك يعزز من قدراتنا التنافسيّة في الأسواق العالمية، وتحسين جودة الأداء الحكومي عبر إحكام الرقابة واستنهاض حس المسؤولية لدى جميع موظفي القطاع الحكومي، وتحفيزهم نحو تعزيز أدائهم للحصول على أفضل النتائج في أسرع وقت ممكن؛ لأننا نعاني بشكل عام من بطء الإجراءات الحكوميّة، والإسراع بتكملة مراحل الحكومة الإلكترونية لاختصار الجهد والزمن..
كل هذا من شأنه أن يخفف تأثير صدمات تذبذب أسعار النفط على اقتصادنا، ويجعله أكثر قدرة على امتصاص هذه الصدمات وتحويلها إلى مصدر قوة بالتوجّه نحو سياسة التنويع الاقتصادي، خاصة أنّ كل المعطيات تشير إلى احتمال أن تواصل أسعار النفط التراجع خلال الحقبة المقبلة.
ومن المفاهيم التي ينبغي تعزيزها بشكل أكبر، مفهوم الشراكة مع القطاع الخاص ضمن رؤية تكامليّة يتم فيها تحديد الأدوار والمسؤوليات لكل جهة، حيث يعول على القطاع الخاص أن يلعب دورًا محوريًا في العبور بالاقتصاد الوطني نحو شواطئ التنوع والاستدامة، فالتنمية لم تعد مسؤولية الحكومة وحدها والنمو الاقتصادي أصبح مسؤولية تضامنيّة بين جميع مكونات المجتمع ومنها القطاع الخاص.. ومن هنا تأتي أهميّة توفير المناخ المناسب لهذا القطاع ليكون مبادرًا.. يعمل ويتطور وينمو ويستثمر لتقديم أفضل الخدمات والسلع، ويسهم في خلق الفرص الوظيفية.. وفي ذات الإطار تبرز أهميّة دعم التوجّه السديد لتمكين قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة نظرًا للحاجة الماسة إلى تطوير قاعدة القطاع الخاص العماني بما يسمح بزيادة مقدرات وفاعلية هذا القطاع مما يسهم في تقليل الأعباء الحكوميّة ويفرز توجهًا رئيسياً لمواجهة التحديات والاستفادة من الطاقات الكامنة في المجتمع عبر التحفيز المنهجي والمدروس.. ومن خلال تنوير الجيل الجديد بواجبه والإحساس بالمسؤولية تجاه بناء المستقبل..
ويبقى القول إنّ تذبذب أسعار النفط، أصبح هاجسًا يسبب الكثير من القلق، والمطبات الاقتصادية للدول المنتجة لهذه السلعة الاستراتيجية، مما يوجب مواجهة واقع تزايد اعتماد موازنتنا على النفط بأكثر من 82%، والعمل على استحداث واعتماد آليات لتحفيز التنويع الاقتصادي؛ ولأننا لا نملك احتياطيات ضخمة من النفط مثل بقية الدول المحيطة بنا، تزداد مسؤوليتنا في التحرر من قيود أحادية مصدر الدخل لنحلق في آفاق التنوع والاستدامة.