تمكين المحافظات.. مدخل لتحقيق التنمية الشاملة

 

د. رضية بنت سليمان الحبسية

الخُطى الوثابة التي تسلكها حكومتنا الرشيدة لتحقيق أهداف رؤية "عُمان 2040" تعد أنموذجًا عصريًّا للتقدم بثقة؛ حيث تأتي تنمية المحافظات والتنمية المستدامة كأحد أولوياتها الاستراتيجية، التي تقود عُمان لتكون في مصاف الدولة المتقدمة.

ومن خلال هذه المقالة، سيتم التركيز على أحد الأهداف الجوهرية التي تسعى السلطنة إلى تحقيقها في هذا المجال، ألا وهو: مجتمعات ممكّنة تسهم في صياغة أولوياتها الاجتماعية والاقتصادية والبيئية وتعمل ضمن إطار اللامركزية الإدارية والاقتصادية.

إنّ أهم ما يميز القائد النيّر، امتلاكه لرؤية واضحة، متيقنًا بواقعية تحقيقها. وما نلمسه من متابعة حثيثة للمقام السامي حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- أعزه الله وأبقاه- للمضي قدمًا في وضع رؤية "عُمان 2040" حيز التنفيذ، سيسير حتمًا- بعون الله- بعُمان وشعبها، لما يتطلع إليه أبناؤها من مستقبل معيشي متقدم، ورفاه اجتماعي متوازن. وما لقاءات جلالته- أيده الله- بشيوخ المحافظات المستمرة، وتأكيده الدائم على ضرورة التكاتف بين أبناء المحافظة الواحدة؛ للنهوض بمستوى البلاد في مجالاته الاقتصادية والاجتماعية، واستدامة بنيته الأساسية مع المحافظة على موروثاته ومنظومته القيمية؛ إلا دليلًا على تأسيس تلك الرؤية وفق ثوابت رصينة، وتوافر إرادة قوية للوصول إليها.

وقد ورد في وثيقة رؤية عمان 2040 (2020، 36) ما يؤكد على الفكر الاستراتيجي للحكومة العُمانية في مجال تحقيق التنمية المستدامة للمحافظات: "ويساهم في عملية تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة بين المحافظات، إيجاد الإدارات والقيادات المحلية القادرة على تطبيق مبادئ اللامركزية، بحيث تتمتع هذه القيادات بالقدرة على التخطيط، واتخاذ القرارات المناسبة التي تتواءم مع التوجهات المستقبلية للدولة، وتساهم في تنمية مجتمعاتها المحلية، وإيجاد فرص العمل الموائمة، وتعزز من تطبيق مبادئ الابتكار والتطوير في بناء المنظومة المحلية في كل محافظة، وتشجع على استخدام التقنية الحديثة، والاستخدام المستدام للأراضي والموارد الطبيعية والمتاحة، واستثمارها بطريقة متميزة وفاعلة".

وفي إطار تفعيل تلك الموجهات نحو تمكين المحافظات، فإنّ الحكومة الرشيدة عملت على توفير كافة مقومات التمكين الإداري للمحافظات العُمانية. بدءًا من التحول إلى اللامركزية، بإصدار نظام المحافظات والشؤون البلدية وفق المرسوم السلطاني (101/ 2020)، ومنح صلاحيات أوسع للمحافظات في مجال التخطيط، والتنفيذ، واتخاذ القرارات، بما يخدم ويسرّع من عملية تطوير وتنفيذ الخطط التنموية. بالإضافة إلى توفير الموارد المالية المناسبة لتنفيذ تلك الخطط، بتخصيص عشرة ملايين لكل محافظة خلال فترة الخطة الخمسية العاشرة، بواقع مليوني ريال عُماني لكل عام، تمثل أحد الممكنات التي حرصت الحكومة عليها؛ لتمكين تلك المحافظات وتحقيق تنمية مجتمعية وطنية شاملة.

كما إنّ تحديد اختصاصات ومهام المحافظات، كما حددتها التشريعات القانونية، وبما يوجه القائمين على تلك المحافظات من الحراك المؤطر نحو وضع السياسات موضع التطبيق، تعدّ مقومات أساسية للتمكين. فضلًا عن اختيار المحافظين وفق معايير لقياس الأداء والإنتاجية. كما أنّ البرنامج الوطني للقيادة والتنافسية الذي استهدف كبار المسؤولين الحكوميين العمانيين، يعدّ تجربة رائدة في مجال تنمية المهارات القيادية لديهم، بما يمكنهم من تنفيذ مهامهم الوظيفية على الوجه المأمول، والمساهمة في تنمية مجتمعاتهم المحلية بكفاءة وفاعلية.

ختامًا.. تقع المسؤولية اليوم على عاتق القائمين على قيادة المحافظات لتحقيق التوجه الاستراتيجي الذي يفضي إلى: تنمية شاملة جغرافياً تتبع نهجًا لا مركزياً وتطور عدداً محدوداً من المراكز الحضرية الرئيسة، واستخدام مستدام للأراضي، وترجمته إلى واقع، وذلك في إطار من التعاون بين كافة شرائح المجتمع، والتشاركية مع مؤسسات القطاع الخاص، بما فيها المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بكل محافظة؛ لتحقيق الميزة التناقسية للمحافظات، مع توفير/ واكتمال الخدمات الأساسية في المناطق الحضرية والريفية على حد سواء. لذا فإنّ على المسؤولين في كافة المحافظات العُمانية العمل بخطوات مدروسة، وفق خطط محكمة؛ للمساهمة الفاعلة في الوصول إلى الأولوية المذكورة: تنمية المحافظات والمدن المستدامة.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة