فلاسفة وسائل التواصل الاجتماعي

 

د. رضية بنت سليمان الحبسية

أستاذ مساعد بجامعة نزوى

إنّ التفكير الفلسفي منهج يُمثل أهمية في حياة الأمم؛ حيث يساهم في دراسة ثقافات الشعوب عبر العصور، والتي تعكس أفكارهم ومعتقداتهم، بالإضافة إلى العادات السائدة في تلك المجتمعات. ويرى البعض أنّ الفلسفة هي ذلك العمل العقلي النقدي الذي يهدف إلى تكوين المعتقدات بشأن المعرفة، والتي تتضمن تفسيرا وتوضيحا ونقدا لكل ما هو موجود بالفعل في ميدان المعرفة والخبرة الإنسانية.

إلا أنّ ما نشهده اليوم من إقحام بعض النَّاس نفسه، بالنقد لكل المجالات،  ولكل القضايا دون تأمل أو معرفة بجوانب مجال النقد ذاته. يُعدّ تضادًا مع غرض الفلسفة الأساسي، المتمثل في البحث عن الحقائق باستخدام العقل. إذ يعتبر ما يتفوهون به من آراء سطحية دون الاستناد إلى أدلة، تجاهلًا لأصول الفلسفة التي تميزها عن كثير من العلوم؛ كونها رياضة فكرية لا يبلغ مداها سوى الفلاسفة وذو الحكمة. وما يقوم به البعض أشبه ما يكون بلفسفة جوفاء، ونظرة عمياء، لظواهر وأحداث حياتية. فلا يرقى لأن يكون نقدًا، إنما غلبة الفكر السلبي؛ لأجل الظهور والترّبع على قائمة المشاهير والأكثر مُتابَعين عبر وسائل التواصل الاجتماعي. فيكون ظهوره مثيرًا للضجيج، بعيدًا عن المنطق ودراسة الحقائق دراسة عقلانية.

لا يَشْكُل على عاقل قراءة عامة لما يتم نشره من أخبار محلية، أو دولية لقضايا مجتمعية، أو علاقات سياسية عبر وسائل الإعلام المختلفة. إلا أنّ تفسير وإيضاح تلك الظواهر، وما يمكن أن تؤول إليه الأحداث، هو من اختصاص المحللين المختصين كل في مجاله. فهناك المحلل السياسي، الاقتصادي، المجتمعي، وغيره، وبالمقابل هناك العالم، والخبير، والمتخصص في حقل معرفي بذاته. وبالنظر فيما يدور حولنا، فيما يظنه البعض أنّ مداخلاته وتعليقاته على كل ما يدور في الحياة اليومية، مستندًا إلى مبدأ حرية الرأي، فهو في حقيقة الأمر مغالطات ليست بالهيّنة، وعواقب ليست بالحميدة، إذ ما يتراءى للبعض من أحقيّة هو حشر لما ليس لهم فيه، وتأجِّيج للأزمات، بعيدًا عما تنشده المجتمعات من آثار إيجابية أو مساهمات  تنموية.

إنّ حرص الكثير من الناس على التواجد والتعقيب بشكل متواصل من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة مجموعات الواتساب (WhatsApp)، هو إدمان تقني بالدرجة الأولى، فضلًا أنه فراغ وغياب هدف المشاركة والعضوية. فبدلًا من استثمار الساعات في حوارات هادفة، أو تنمية جوانب الشخصية، أو مساهمة مجتمعية، أو إدارة مشروع يطور به واقع حياته، تجده عاكفًا ينتقد كل شاردة وواردة من قوانين، اتفاقيات، مشاريع، وفعاليات..إلخ، أياً كان مصدرها، والقائمون عليها. وكأنه فيلسوف زمانه، عارف بكل علوم الحياة ومجالاتها. وهو في حقيقته هروب من واقعه لعالم افتراضي، لا يُفضي إلى قيمة إنسانية، سوى إشباع حِسّ التّفلسف لديه، أو حب إبراز الذات.

ختامًا، فإنِّه من الأهمية بمكان، لمن يمتلك حب المعرفة، وشغف الخوض في عالم الحكمة، عليه السعي الحثيث والمستمر في أعماقها، وسبر أغوارها، وذلك بإعمال العقل وممارسة رياضة الفكر، وصولاً لما يحقق السعادة للبشرية، وجعل الحياة ذات معنى، وبمشاركات حقيقية قائمة على الحوار والمناقشة، وبنزاهة وموضوعية، وعبر منابر تتيح وصولها لأصحاب المصلحة وذوي العلاقة. وفي أقل توظيف للفلسفة، يمكن للهواة من العامة اعتمادها مَنْهَجًا يُنَظّم حياته، كما يسترشد بها في تصرفاته، ويبني عليها أحكامه، فَيُكّون بذلك منظومة قيميّة خاصة به، تكون مُوَجِهًا له ولتابعيه وللمتأثرين به.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أبو جلالة، صبحي حمدان والعبادي، محمد حميدان. (2001). أصول التربية بين المعاصرة والأصالة. القاهرة. مكتبة الفلاح.

تعليق عبر الفيس بوك