قرارك بيدك

 

د. رضية بنت سليمان الحبسية

قد يحدث أنْ يتخذ أحدٌ منِّا قرارًا، بناء على مؤشرات مؤكدة، وبالتالي سلامة النتائج وعبور آمن. ولكن! ما إنْ تتشابك المصالح، وتتداخل العوامل؛ لارتباطها بخفايا وأسرار مِقْوَدَها في قبضة أفراد وقطاعات أخرى، تنقلب الطاولة رأساً على عقب. حينها لن يغدو القرار بيدك، بل ستلتهمه تيارات المد والجزر، وتغُور الضحية في دوامة الرغبات الذاتية، وتعارض المعطيات الوقتية.

وقد شغلت قضية اتخاذ القرارات فكر الكتّاب والمنظّرين، حيث كانت وما زالت ملازمة للعملية الإدارية بمراحلها وخطواتها، تسليمًا إلى أهمية اتقان مهارات صناعة القرار ذاته. وحيث إنّ قوة القرار ترتكز على عوامل صناعته، فإنّ العملية تصبح أشبه ما يكون بالديناميكة، أكثر مما يُخال أنها فطنة وفراسة. وعلى الرغم من تباين القوى المؤثرة على جودة القرار، إلا أنّ الاجتهاد في اتخاذه أكثر أمنًا، من المكوث زمنًا في قعر مُظلم، حيث نجد عنصر المغامرة حاضرًا لدى كثير من الناس.

وبذلك، فإنّ الواقعة لا تخلو من مخاطرة، منطلقًا صاحبها من مقولة: "كن أو لا تكون"، وفي ظرفية كثيرة لا تكون محسوبة، بل تحرّرًا من واقع باهت المعالم، إلى عالم تكتنفه روح المغامرة؛ لحياة تغمرها المتعة وشغف الانتصار. وفي حقيقة الحال، لا ينحو ذلك المنحى إلا ذوي الحماسة الوقادة، وذوي الإيمان العميق بأنّ المستقبل، إنْ لم يكن ألمع فلن يكون أبلج. حينها تكون استراتيجية التّحول أبلغ وأنجع؛ تمهيدًا لتحديد استراتيجية القرار الملائمة، بإيجاد آفاق جديدة، وتوليد فرص غير مألوفة، باتجاه طموح مأمول.

ومن المعلوم تعدد استراتيجيات وتقنيات التغيير، وتنوع أنماط وأساليب اتخاذ القرار. إلا أنّ الكثيرين ينتجهون استراتيجية الاندفاع في التعامل مع الواقع المعيش، والتي تتضمن تغيير نوعية ومسار الطريق، إلى مسار مُغاير عما كانت عليه الظروف. وفي ظلّ القرارات ذات الصبغة الفردية، حتمًا سيغلب على تلك الاستراتيجية سمة الانفرادية، المستندة إلى الحكم والتقدير الشخصي للموقف ومعطياته، وإنْ استندت إلى مشورة مقبولة. فمع غياب مؤشرات نجاعة القرار، فلن تعدو سوى مجازفة غير مأمونة،  مغلفةً بحب المغامرة، وعندها يُسيطر متغيّر الحراك والإصرار الداخلي على الذّات البشرية؛ رغبةً في التحرر والانطلاق إلى عالم مُغاير.

ومن الخبرات الحياتية والمواقف اليومية، ما تحمله لنا من النماذج الشيء الكثير، إذ تُتَّخذ غالبية القرارات بعفوية تامة، يكتنفها عامل السرعة، وتحركها روح التحديّ، في حين أنّ الخيار الأصوب، أنْ تكون الرويّة سمةً، والدراسة المتأنية منهجًا؛ للإحاطة بحيثيات الموقف وإلمامًا بعناصره، مع عامل العصف الذهني، والتصور العقلي بنتائج القرار المتوقعة، مقرونًا بالاستعداد التّام لتحمل مسؤوليته. كل ذلك دون تجاوز واقع القضية قيد الحسم، فإنْ كانت قضية شخصية أو ذات مصالح عائلية، فليست المغامرة المشروطة شجاعة، ولا نمطًا إجرائيًّا يسهل العروج فيه، دون خسائر مالية أو متاعب نفسيّة.

فكم من القرارات تلوح في الأفق، وترى الواقع في لمح البصر، وكم منها تبقى حبيسة أوراقها، فيتبددّ المُبْتَغى. وكل ذلك مرجعيته نمط وخبرة متخذ القرار. كأنْ تتخذ قرارًا بشراء سيارة بعينها، بناء منزل، مشروع تجاري، أو رابطة زواج، وغيرها. وفي كلا الأحوال، فالأمر يستوجب التأني والتريّث في تحديد الاستراتيجية المناسبة، والتوسع في الاستئناس بذوي الألباب وذوي الاختصاص؛ لاتخاذ القرار القويم.  فذلك مدعاة لتحقيق جودة وكفاءة الإجراء، ونتائج محكمة الوثاق، في ظل فعالية التخطيط، ووضوح الرؤى. وفي الختام: يبقى القرار قرارك، وكما يقول المثل: "عقلك في رأسك، تعرف خلاصك".

تعليق عبر الفيس بوك