الصرف الصّحِي .. ناقوس الخطر

"الصرف الصحي" .. هذا الملف الشائك من ملفات البنى الأساسية لدينا، لم يحظ بما يستحق من اهتمام، بل حتى على مستوى التناول الإعلامي يسجل غيابًا ملحوظًا رغم معاناة الجميع من عدم وجود شبكات الصرف، وبالرغم من أنّ آثاره السلبية أكثر من أن تُحصى بيئيًا وصحيًا واقتصاديًا..

وهي آثار لا يمكن التقليل من مخاطرها آنيًا ومستقبليًا، مما يجعل محاولة التقليل من أهمية الموضوع، أو التنصل من المسؤولية إزاءه، ضربًا من دفن الرؤوس في الرمال لنصحو يومًا على كارثةٍ بيئيةٍ محققةٍ.

إنّ مشروع الصرف الصحي من الأهمية بحيثُ يجب أن نُوليه الكثير من الاهتمام لأسباب عديدة أولها :أنّه جزء من البنى الأساسية التي لا تكتمل بدونه.. وثانيها خطورته على البيئة وصحة الإنسان، وثالثها التكلفة العالية لمُعالجة الآثار السلبية الناجمة عنه.. وغير ذلك هناك الكثير من الأسباب الأُخرى.

ولم يعُد مشروع الصرف الصّحِي مجرد تخلص من نفايات، بل جزء من عملية إعادة تدوير تُعنى بشكل أساسي بتحويل المُخلّفات والنفايات إلى مُنتجات جديدة مختلفة، ونتائج إيجابية على البيئة.. إضافة إلى تحويل مياه الصرف إلى مياه تستخدم في الزراعة وغيرها من الاستخدامات الصديقة للبيئة بعد معالجتها وتنقيتها من السموم.

والحق يُقال: إنّه رغم أننا حققنا الكثير من التقدّم في مشاريع البنى الأساسية من طرق وشبكات مياه وكهرباء، لكن علينا أن نعترف وبشجاعة بأنّنا لم نحقق حتى الآن سوى القليل في مجال الصرف الصحي، والذي مازالت مشاريعه تتعثر في التنفيذ، وتتباطأ وتيرة إنجازها بصورة ملحوظة.. وتراجعنا في الالتزام بتواريخ تنفيذ مشاريع الصرف الصحي في مسقط وجميع المحافظات الأخرى، حيث لا زالت الشاحنات الصفراء منظراً مألوفاً في شوارع مسقط، ولا يبدو أنّها ستختفي في القريب العاجل، إذا لم يكن هناك التزام نابع من وعي تام بخطورة غياب المشروع المتكامل لشبكات الصرف الصحي والذي يكفل التصريف الآمن للنفايات، والمعالجة الناجعة لآثارها.

حيث إنّه وفي غياب هذه الشبكات، تبرز خطورة تسرب بحيرات الصرف الصحي في الأراضي الزراعية، والامتزاج بالمخزون المائي الجوفي مما يشكل تهديدًا مباشرًا على الصّحة العامة.

ومما لا يُعقل ونحن في القرن الواحد والعشرين، أن تُعاني عاصمتنا في بعض أجزائها من طفح المجاري، خاصة وأنّها أصبحت عاصمة مليونية بعد أن تجاوز عدد سكانها هذا الرقم..

وفي الخوير مثلاً - وهو من الأحياء المركزية بمسقط - نلاحظ الطفوحات المتكررة وبشكل يومي لخزانات الصرف الصحي التابعة للمجمعات السكنية أو المكتبية..

وهذا الأمر لا يليق بمنطقة حيوية كحي الخوير مثلاً، وغيره من أحياء مسقط وفي بقية المحافظات..

وإذا ما ألقينا نظرة على الخطط المرسومة، فهي تُشير إلى أنّه من المفترض أن ينتهي العمل وبشكل نهائي من مشروع الصرف الصّحي لمحافظة مسقط في عام 2018، إلا أنّ ذلك يبدو غير ممكن إذا سار العمل على نفس الوتيرة الحالية والتي تتّسم بقدرٍ عالٍ من البطء والتأخير إن لم نقل التسويف..

ويبدو أن ضعف الجدية في التعامل مع المشكلة، يلقي بظلاله السلبية على القائمين على تنفيذ المشروع من شركات ومقاولين ليتبدى تأخيرًا وعدم إنجاز ومماطلة في الالتزام بالبرامج المحددة لسير العمل في تنفيذ المشروع ..

وإن كان ثمة أسباب أخرى لهذا التأخير، فمن باب أولى تمليكها للرأي العام، والكشف عنها وكيفية معالجتها بكل شفافية، مع تحديد برامج زمنية جديدة ملزمة للكل.. ووضع حد لتقاعس المقاولين القائمين على التنفيذ.

وأرى أنّ واحدًا من أهم أسباب تأخر سير العمل في هذا المشروع الحيوي، هو عدم وضوح الرؤية تجاه الجهة المرجعية التي تتحمل المسؤولية كاملة، وتتصدى لكافة تبعات تعثر تنفيذ المشروع.. فهناك من يقول بأنّ المسؤولية تقع على عاتق بلدية مسقط، وآخرون ينحون باللائمة على وزارة البلديات الإقليمية وموارد المياه، وآخرون يزجون باسم وزارة الصّحة في معرض المسؤولية عن تنفيذ المشروع.. أو شركة "حيا للمياه" التي تُعد المُتصدِّي المُباشِر لهذه المشكلة من خلال توليها الإشراف على المشروع، ولكنّها تعتمد على مقاولين وشركات يبدو أنّها تواجه صعوبات في الالتزام بالمواعيد المحددة لتنفيذ الأعمال الموكولة لها ضمن مشروع الصرف الصحي بمسقط..

بل والبعض يرى أنّ كل ذلك من صميم مسؤولية المجلس الأعلى للتخطيط .. ولكنّنا نقول: إنّ جميع هذه الجهات تقع عليها مسؤولية تضامنية في سبيل تنفيذ هذا المشروع الحيوي، لأنّ الأضرار السلبية والتدميرية الناجمة عن غيابه تمسها جميعًا من الصحة والبيئة والبلديات وموارد المياه والزراعة ..وغيرها.

إنّ تسرّب مياه الصرف الصحي إلى المخزون المائي الجوفي كارثة بيئية تتربص بنا كقاطنين في هذه الأرض الطيبة، خاصة وأنّ بلادنا في أمسّ الحاجة إلى مخزونها الجوفي من المياه لكونها تقع في الحزام الصحراوي .. كما إنّ خزانات الصرف الصّحي لها تأثيرات ضارة حتى على الأفلاج باعتبار أن الأخيرة تعتمد على المخزون الجوفي..

إنّ تسرب مياه الصرف الصّحي إلى المخزون المائي، ظاهرة خطيرة، ويبدو أنّ هذا ما يحدث في بلادنا منذ سنوات، فالعديد من المزارع في الخوض وبركاء وغيرها من حواضر، تقوم فيها آبار الري بالقرب من خزانات الصرف الصّحي، الأمر الذي قد يتسبب في تلوث مياه الشرب وري المزروعات وبالتالي يتسبب في انتشار العديد من الأمراض الفتّاكة، ومنها أمراض التهاب الكبد الوبائي، والذي أصبح يسجل معدلات عالية لدينا في السلطنة، وغير ذلك من أمراض تتطلب سبل الوقاية منها التخلص السليم والآمن من الصرف الصحي.

إنّ مشكلة الصرف الصحي قد لامست الخطوط الحمراء، ولم يعد ممكنًا السكوت عليها، أو تغافلها، بل يلزمنا إيجاد الحل الجذري لها في إطار استراتيجية متكاملة للحد من النفايات وإعادة تدويرها.

ويبدأ حل المشكلة بالإسراع في تنفيذ مشروع شبكة الصرف الصحي وتعميمها على كافة محافظات السلطنة، ولن يتأتى هذا إلا بجدِّية المتابعة للجهات القائمة على تنفيذ المشروع وإلزامها بالبرامج الزمنية المنصوص عليها في العقود، وإيقاع العقوبات من غرامات وحرمان من إسناد مناقصات أخرى للمقاولين المتقاعسين .. على أن يتم كل ذلك في إطارٍ من الشفافية واطلاع الرأي العام على الخطوات المُتّخذة ليكون على بينة من أسباب التأخير .

إنّ الوضع الحرج لمشكلة الصرف الصّحي، يستلزم تكثيف الجهود لإكمال مشروع شبكة الصرف الصحي وفقاً للبرنامج الزمني، حتى نتفادى الكارثة البيئية التي تتربص بنا.

ما يلزمنا الآن ليس تبادل الاتّهامات، أو البحث عن كبش فداء، بل نحتاج إلى تضافر جهودنا جميعًا للإسراع في عملية التنفيذ وتذليل العقبات التي تعترض سير العمل، في تضامن مجتمعي تفرضه أهمية المشروع.

تعليق عبر الفيس بوك