الجبل الأخضر.. رؤية متكاملة للتطوير

حاتم الطائي -

الجبلُ الأخضر.. منطقة فريدةٌ من نوعِها ليس في الجزيرة العربية فحسب، بل على مستوى العالم لجهة تنوع مشاهدها السياحيةِ، من مَعالِم أثرية مُوغلةُ في القِدم، وطبيعةٍ خلابةٍ، وأجواءٍ سمتها البرودة والاعتدال حتى في أشد أيام الصيف قيظًا..

هذه المنطقةُ حرية بالتفاتة تجعل منها مقصدًا سياحيًا لكلِ الفصول، ولكافة أنماط السيّاح والزوار، وذلك تدعيمًا لواقعها الحالي حيث يؤمُها الزوار من مختلف مناطق العالم للاستمتاع بمُقوماتِها السيّاحية العديدة ومنها مناظر المُدرجات الزراعية ومواسم إنتاجية تتعدّد على مدار الفصول..

ويقيننا أنّ منطقة الجبل الأخضر، اعترتها الكثير من عوامل التطوير خلال السنوات الأخيرة من طرق وبنى أساسية، وهناك الكثير من الجهود التي تبذلها وزارة السياحة للنهوض بالمنطقة سياحيًا وجعلها جاذبة للزوار، ومن ذلك مثلاً أنها ستشهد في غضون الأسابيع المقبلة افتتاح منتجع" أليلا" في منطقة الرووس، وهو فندق من فئة الخمس نجوم تنفذه الشركة العُمانية للتنمية السياحية (عمران) .. كما يجري العمل حالياً على إنشاء فندق جديد بتمويل واستثمار من صندوق تقاعد وزارة الدفاع. إضافة إلى مجموعة أخرى من الفنادق تحت الإنشاء وأخرى سيتم إنشاؤها قريبًا..

وكل هذه جهود محمودة ومشكورة، وستنجُم عنها زيادة أعداد السائحين والزوار بنسب متفاوتة، ولكنها تبدو وكأنّها جهود معزولة تعوزها التكاملية لتؤدي الغاية المنشودة منها وهي التنمية السياحية المتكاملة التي تستصحب كافة المفردات التي تشكل البيئة السياحية المحلية، ومن ذلك الإنسان والبنى الأساسية والخدمات..

وهنا نتساءل: إلى أيّ مدى نحن مستعدون لاستقبال أفواج السياح عندما تتضاعف أعدادهم خلال الفترة القادمة .. خاصة وأنّ الإحصائيات تشير إلى أنّ العدد الحالي للسياح يزيد على مائة ألف سنوياً.

وهل نمتلك رؤية شاملة للتطوير السياحي للمنطقة؟ وكيف يمكن للمجتمع المحلي الاستفادة من هذه الحركة السياحية؟

وبالمجمل: هل نحن حقًا مستعدون لاستقبال أفواج وحافلات السيّاح في القرى الجبلية؟

المشهد السياحي والتنموي مليء بالتحديات .. ولعل التحدي الرئيسي يتمثل في أهمية وضوح الرؤية لتطوير الجبل الأخضر سياحيًا، حتى يشكل القطاع قيمة مضافة للمجتمع المحلي، ويعمل على خلق وظائف لأبناء الجبل الأخضر وغيرها من منافع وإيجابيات لخدمة الاقتصاد الوطني.

إنّ تجاوب المواطنين بالمنطقة مع المد السياحي، مرهون بما يلمسونه من فوائد عملية تعود عليهم سوى في معاشهم أو وظائفهم.. فهم يتطلعون إلى الاستفادة من قطاع السياحة في زيادة دخلهم وتسويق منتجاتهم وغير ذلك من فوائد مباشرة وغير مباشرة ليشعروا بأنّهم مستفيدون من عوائد السياحة التي لن تنجح سوى بدعمهم، وإشراكهم في التنمية السياحية للمنطقة، وجعلهم شركاء حقيقيين في القطاع.

يمكن القول إنّ القرى الجبلية بمدرجاتها الزراعية، تعد من أهم مناطق جذب السياح .. فالمدرجات الزراعية في الجبل الأخضر تمتد - كما تُشير الدراسات العلمية - إلى خمسة آلاف سنة، وربما علينا أن نسعى إلى ضمها للتراث العالمي لليونسكو لأنّها مهددة، وتتناقص سنويًا مما يُوجب علينا العمل للحفاظ عليها ودعمها لنكفل استمراريتها .. ورغم أنّ التجوال في هذه المدرجات مُتعة حقيقية، لكن لابد من وضع ضوابط وإرشادات مع زيادة التدفق السياحي، حتى لا يؤثر ذلك سلبًا على ديمومتها.

إنّ قرى مثل "الشريجة" و"العين" و"سيق" تمتاز بمدرجاتها الزراعية الاستثنائية، إلا أنها غير مهيأة لاستقبال أكثر من عشرين سائحًا في كل جولة.. فهي قرى صغيرة وتقليدية وضيقة نسبياً وذات خصوصية، ولا توجد بها مواقف سيارات كافية للمواطنين أنفسهم فما بالك باستقبال حافلات سياحية أو قوافل سيارات الدفع الرباعي، وهذا يتطلب إعادة التخطيط لتأهيل المواقع، لاستقبال هذه الأفواج واستيعاب الزيادة المتوقعة خلال الأشهر المقبلة..

حتى لا نفاجأ مستقبلاً بالمشكلة، وتكون هناك ردود فعل سلبية من المواطنين تجاه السياحة، وهذا قطعًا ما لا نتمناه للسياحة في هذه المنطقة الواعدة، والتي يمكن أن تشكل عامل حفز إيجابي يدفع بها إلى مصاف الازدهار والانتعاش.

لا خلاف على أنّ أجواء الجبل الأخضر معتدلة، ومناظره خلابة ورائعة، ولكن السائح يبحث عن أكثر من ذلك، وهنا نتساءل: ما البرامج السياحية التي أعددناها لتغري السيّاح على قضاء ليالٍ أكثر في رحاب المنطقة، بعد اعتياد جمال الطقس في اليوم الأول..

ونتساءل استطرادًا: ما الأفكار المطروحة التي يمكن أن تهيئ لشباب المنطقة فرص عمل في القطاع السياحي، باعتبار أن السياحة أكثر من مجرد فندق، أو منتجع، بل هي نشاط يتّسم بالاستدامة لاشتماله على أكثر من نشاط اقتصادي، ويتيح فرصًا واسعة للأعمال الصغيرة والمتوسطة، وبذلك نضمن الاستفادة القصوى من هذا القطاع الواعد. نقول هذا وفي بالنا العديد من التجارب السياحية الناجحة على مستوى العالم.

ولا يختلف اثنان في أنّ المجتمع المحلي في المنطقة بحاجة إلى تأهيل ضمن برامج مختلفة لخدمة القطاع، حيث يمكن لأبناء المنطقة العمل كمرشدين سياحيين على سبيل المثال، استثمارًا لمعرفتهم بمنطقتهم وإلمامهم بالتفاصيل الدقيقة المتعلقة بخصوصيات المنطقة وأهلها، على أن يتم تزويدهم بالمعارف التي تعينهم على الشرح الشيّق الذي يشدّ السياح للتعرف على تاريخ المكان وثقافته وتقاليده خاصة وأن للمنطقة تاريخًا موغلاً في القدم، وذات ثراء جيولوجي نادر، إضافة إلى تنوعها الإحيائي بما تشمله من نباتات وحيوانات عديدة.

وهناك الكثير من الأفكار القابلة للتطوير كاستحداث مسارات للدراجات الهوائية وإقامة نشاط تجاري يتعلّق بها من خلال التأجير للقيام بجولات في القرى والمزارع، ويمكن القيام بهذه الجولات على ظهور الحمير، خاصة وأنّ العديد من السيّاح يرون في ذلك مُتعة وتسلية.. ومن الأفكار القابلة للتطبيق صناعة الهدايا التذكارية، حيث إنّ معظم السيّاح يحبذون تخليد زياراتهم للمواقع السياحية باقتناء هدايا تُعبّر عن روح وثقافة المكان، ويمكن توفير مثل هذه الهدايا في الفنادق وأماكن إقامة السيّاح، إضافة إلى مطاعم للأكلات التي تشتهر بها المنطقة، حيث إنّ آخر ما نود أن نشاهده هنا في هذا السفح الجميل محلات الوجبات السريعة " ماكدونالدز وستاربكس" ! .

مثل هذه الأفكار يمكن تحويلها لواقع من خلال العمل على تنفيذها بالتعاون مع الهيئة العامة لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

وثمة ميزة إضافية أخرى لمنطقة الجبل الأخضر، وهي أن مزروعاتها غير متأثرة بالمبيدات الحشرية، حيث إنّ مزارعي المنطقة لا يميلون الى استخدامها على منتجاتهم مما يجعلها منتجات عضوية، مما يحتم أهمية إيجاد منافذ تسويقية متخصصة لبيعها كمنتجات عضوية عالية القيمة، أو على الأقل بناء مظلة عند مدخل سيح قطنة لتكون موقعًا لبيع هذه المنتجات علاوة على تخصيص مواقف لسيارات السيّاح لتمكينهم من الوقوف بشكل مُنظّم لشراء هذه المنتجات. الأمر الذي سيحفز المزارعين على الإقبال أكثر على النشاط الزراعي وإنتاج المزيد من الرُمّان والجوز والمشمش والعنب والتين الشوكي.

إنّ التنوع النباتي، أحد عوامل الجذب السياحي، وهذا ما يتوفر في بيئة الجبل الأخضر حيث إنّ البيئة الزراعية غنية بالكثير من النباتات التي تتعايش مع بعضها منذ مئات السنين، مُشكّلة بيئة نباتية فريدة من نوعها، وهناك العديد من هذه النباتات لا توجد إلا في الجبل على مستوى العالم ومنها نبتة " الوعل" على سبيل المثال وهي من ضمن قائمة النباتات المهددة، وهذا يؤكد أهمية المرسوم السلطاني رقم 80/2011 بإنشاء محمية الجبل الأخضر للمناظر الطبيعية، ونأمل تفعيل إدارة المحمية في القريب العاجل، للحفاظ على هذه الثروة والتي يمكن أن تشكل أحد أهم مقومات السياحة البيئية، خاصة وأنّها ستحتوي على مركز متخصص في النباتات مما سيُشكّل إضافة نوعية للمنطقة.

ونخلص إلى أنّ السياحة في الجبل الأخضر قطاع واعد، ويمكن أن يفضي إلى نتائج في غاية الإيجابية على المنطقة وإنسانها بل والاقتصاد الوطني ككل.. ولكن علينا أن نتّفق جميعًا على أنّ ذلك لن يؤتي ثماره إلا من خلال رؤية متكاملة تراعي خصوصية المنطقة الفريدة، وتستشرف في ذات الوقت الزيادة المتوقعة في أعداد السيّاح في المستقبل المنظور.

تعليق عبر الفيس بوك