موجهات الريادة للقطاع الخاص

نعيش هذه الأيام زخماً انتخابيًا مهمًا يتمثل في انتخابات أعضاء مجالس إدارات غرفة تجارة وصناعة عمان .. والحدث يحمل في طياته مستجدات تتعلّق بانتخاب رئيس مجلس إدارة خروجًا عن مألوف التعيين الذي كان سائدًا خلال الفترة السابقة من عمر الغرفة .. الأمر الذي يهيئ الغرفة أكثر لمقابلة الاستحقاقات الكبيرة المعقودة عليها في المرحلة القادمة .. ويمكن قراءة هذا الحدث في سياق مُتّصل مع التوجُّه الحكومي لتفعيل هذا القطاع وإعطائه دور الشريك في التنمية من خلال الإشراك الفعلي في الكثير من القرارات المتعلقة بالاقتصاد، وفي هذا تمكين للقطاع من أجل القيام بالدور المأمول منه.. وهو دور كبير ومُهم ومُتشعب.

ولكن وكما علمتنا التجارب، فإنّ التوجهات وحدها لا تكفي، كما إن حُسن النوايا لا يصنع واقعًا مزدهرًا، لذا فإنّ ثمة اشتراطات موضوعية لكي يحقق القطاع الخاص العماني النقلة النوعية المنتظرة، ومن جانب الحكومة فيرتجى أن تكون لديها رؤية واضحة لدور القطاع الخاص، من خلال خطط منهجية ترسم خارطة الطريق وتحدد الإطار العام والمسار الذي ينبغي انتهاجه لتحقيق أهداف محددة ومرسومة وفق خطة زمنية معينة..

وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلت خلال العقود الأربعة الماضية من عمر النهضة العمانية الحديثة لتمكين القطاع الخاص، وما تحقق من إنجازات ونمو، إلا أنّ هناك الكثير من العمل المطلوب لتحفيز هذا القطاع الحيوي ليقود خطى التنمية صوب آفاق المستقبل المشرق، وهذا لن يتأتى إلا بتجاوز هذا القطاع للتحديات المختلفة التي تعوق انطلاقته..

لذا علينا أن نعمل على تهيئة الظروف الملائمة وإيجاد البيئة المحفزة والصحية لنمو هذا القطاع ليقوم بدوره كاملاً في التنمية، الأمر الذي سينعكس مباشرة على إمكانيات القطاع في التوظيف وخلق فرص عمل خلال السنوات المقبلة.

وعلى الحكومة أن تعمل على تقديم الحوافز وإزالة المعوقات أمام نمو القطاع الخاص وتمكينه ليكون فاعلاً وقادرًا على المبادرة في الحراك الاقتصادي وتدعيم كفاءته في تقديم الخدمات والسلع المختلفة.

ويُنتظر من الحكومة كذلك، العمل على تعميق الشراكة وعلى أرض الواقع، بحيث تسند إليه أعمالاً تعزز ثقته في نفسه ابتداءً، وتغرس فيه الإحساس بروح المسؤولية المتأتية عن الشراكة الفعلية.. وبهذا يكون قطاعنا الخاص قادرًا على الوفاء بالالتزامات المطلوبة منه تجاه وطنه ومجتمعه بصورة أكبر .. بل تجعله يتلمس خطى القطاع الخاص في التجارب التنموية الدولية الناجحة، ومن ذلك تجربة مجموعة دول البريكس (الصين، البرازيل، الهند وجنوب أفريقيا). وأيضًا تجربة النمور الآسيوية، والتي يعد القطاع الخاص العامل المشترك الأعظم بينها جميعًا.. حيث تستند نجاحاتها على دور فاعل للقطاع الخاص عبر الشراكة والتكامل مع القطاع الحكومي.

وهذا يتطلب رؤية تبنى عليها برامج العمل القائمة على تحقيق التكامل بين أدوار الحكومة والقطاع الخاص ضمن أسس قوية للشراكة، مع إيلاء أهمية خاصة لتوزيع الأدوار والمسؤوليات بينهما بشكل واضح.

وفي سياق الحديث عن التخطيط للغد، ولأننا في معرض الإعداد المبكر للرؤية المستقبلية لعمان 2040، ينبغي أن تتضمن الرؤية تأطيرا للدور المستقبلي للقطاع الخاص، عبر وصفٍ محددٍ يتضمن الحقوق والواجبات، بما يخلق بيئة محفزة لهذا القطاع الواعد وتهيئته مستقبلاً لقيادة قاطرة التنمية، وليكون المحرك الرئيسي لمسيرة النماء، وهي مهمة ليست بالسهلة ولكنها في ذات الوقت ليست مستحيلة، فيما لو تمّ الإعداد بشكل علمي ومدروس للسياسات الكلية للاقتصاد ودور القطاع الخاص فيها، ومنها سياسات التنويع الاقتصادي والتي تعتمد أساسًا على مبادرات من القطاع الخاص في مختلف القطاعات الاقتصادية مثل السياحة والصناعة والتجارة والخدمات اللوجستية والمعلومات والاتصالات والاستزراع السمكي وغيرها من قطاعات واعدة. ومثل هذه الخطط الإستراتيجية تمكننا من اصطياد عصفورين بحجر واحد، فهي من جهة تحرر اقتصادنا الوطني من السطوة النفطية بتفعيل وصعود القطاعات الأخرى ومساهمتها في الناتج المحلي، وفي ذات الوقت التأسيس لقطاع خاص فعّال وقادر على المبادرة والإسهام المحوري في خلق فرص العمل ورفد الاقتصاد بعوامل استدامة تعزز قدرته على مواجهة التحديات، وتقيه شرور التقلبات الاقتصادية والأزمات المالية..

إذًا ما نحتاجه في الرؤية 2040.. تخطيط إستراتيجي بناء.. ورؤية واضحة للقطاع الخاص تستشرف المستقبل وفق أسس علمية، ونظرة تحليلية لرسم شكل المستقبل والتأثير عليه في ظل بيئة متطورة وملائمة للأعمال والاستثمار وبالتالي تطور القطاع الخاص ..

وهناك أهمية خاصة لما يتعلق بدور القطاع الخاص في التوظيف، باعتبار أن هذه هي القضية المحورية للسنوات القادمة والتي ينبغي التخطيط السليم لها، لأنّه وكما نعلم فإنّ القطاع الحكومي قد تشبع بالوظائف، وسيكون المعول مستقبلاً في حل معضلة التوظيف على القطاع الخاص.. وهذا يحتم زيادة فاعلية هذا القطاع ليكون قادرًا على تبني مبادرات تخلق وظائف للقادمين الجدد لسوق العمل من المواطنين، والتفاعل الإيجابي مع الاحتياجات الوظيفية خاصة لأننا مجتمع فتي، تزداد فيه وتيرة زيادة القاعدة الشبابية بمعدلات عالية شأنه في ذلك شأن غيره من البلدان النامية..

ولأنّ القطاع الخاص لن يكون قاعدة توظيف مفتوحة للجميع، بل سيحتكم إلى معايير مهنية تعتمد الكفاءة وامتلاك ناصية المهارات، وهذا يلقي مسؤولية على الحكومة لتهيئة مخرجات التعليم لسوق العمل من خلال تزويدهم بالمعارف والمهارات التي تلبي المتطلبات المستجدة للسوق، وهذا يستوجب المزيد من التركيز على جودة التعليم والاستثمار فيه بقوة، لأن ذلك يمثل ضمانة لاستيعاب هؤلاء الشباب القادمين إلى سوق العمل.. كما يضمن لنا ذلك الاستفادة من رأس المال البشري وتعظيم معطيات المواهب والطاقات، وتوظيف إبداعاتها بشكل أفضل عبر بوابة جودة التعليم.

على أن يواكب ذلك جهد مستمر للمواءمة بين مخرجات التعليم واحتياجات السوق، هذا السوق الذي يبدو واعدًا بالمزيد من فرص العمل للقوى العاملة الوطنية، وذلك قياسًا على أنه يستوعب حاليًا نحو مليون ونصف المليون وافد - معظمهم يعملون بالقطاع الخاص - والاستنتاج المنطقي في هذا الصدد إنه إذا كنّا قادرين على خلق هذا العدد من الوظائف التي يشغلها وافدون، فإنّنا نستطيع إيجاد المزيد من الوظائف لاستيعاب العمانيين، أو تأهيل الباحثين عن عمل بالمهارات اللازمة التي تهيئهم لأن يحلوا محل العمالة الوافدة في سوق العمل المتعطش للكفاءات الوطنية في العديد من التخصصات التقنية والمهنية.

ومن الأدوار المنتظرة للحكومة، العمل على دعم القدرات التنافسية للقطاع الخاص والمقصود بذلك رفع كفاءة السوق وقدراته في مختلف القطاعات، فعندما نتحدث عن القطاع الإنتاجي لابد من إتباع الأسلوب الأمثل للإنتاج من ناحية الجودة والسعر. الأمر الذي يتطلب تقديم الدعم التقني ومواكبة التطور التكنولوجي المتقدم في عالم اليوم. ولابد من استخدام حزم للتحفيز لتشجيع الاستفادة من التطور التكنولوجي وغيرها من وسائل لدعم العملية الإنتاجية. والدخول في شراكات عالمية مع دول من تلك التي تربطنا بها علاقات متميزة سياسياً وتحويلها إلى شراكات اقتصادية مجدية، على أن يسند في هذه الشراكات نصيب معتبر للقطاع الخاص..

ولا شك أنّ عمل الحكومة على توجيه استثمارات ضخمة في مشاريع البنى الأساسية من طرق سريعة وجسور وموانئ ومطارات وسكة حديد، من شأنه تحقيق نقلة نوعية في قطاع التجارة والنقل الأمر الذي يفتح المجال واسعًا للقطاع الخاص ورواد الأعمال الجدد للدخول في أحد أهم المجالات الاستثمارية الحيوية لبلادنا لاعتبارات الموقع الإستراتيجي في وسط العالم وغيرها من مقومات وعوامل تخدم بقوة توجه عمان لتكون مركزًا للخدمات اللوجستية، إضافة إلى إيجابية التأثير المرتقب لهذا القطاع على مختلف القطاعات الأخرى ضمن متوالية التأثير المتبادل للقطاعات الاقتصادية المختلفة.

ويؤمل من الحكومة خلال الفترة المقبلة المزيد من الدعم والحماية لقطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة باعتبارها الدماء الجديدة التي ستعطي دفعة قوية للقطاع الخاص مستقبلا، وترفده بالزخم الذي يحتاجه خلال المرحلة المقبلة..

وكما أسهبنا في شرح واجبات الحكومة تجاه القطاع الخاص، هناك في المقابل التزامات عليه يعد القيام بها شرطًا جوهريًا لنهوضه، وفي مقدمة ذلك عدم تغليب معيار الربحية على جميع أنشطته، بمعزل عن العوائد غير المباشرة التي تعود على المجتمع ككل..وذلك في إطار نظرة شاملة تحيط بكافة جوانب الصورة وتكفل خدمة المجتمع من مختلف الزوايا .

وينتظر كذلك من القطاع الخاص، الانخراط أكثر في الاستثمارات الإنتاجية، بدعم وتنشيط مختلف القطاعات الاقتصادية وخاصة ما يعرف بالاقتصاد الحقيقي أي الإنتاجي وبالأخص الصناعي ضمن الصناعات التحويلية التي تشكل داعمًا مهمًا للصادرات العمانية .

وهذا يستلزم عدم التركيز على الربح السريع، والممارسات السلبية لبعض الأنماط التجارية مثل ظاهرة الاحتكار، لما لها من آثار سلبية على الاقتصاد العماني..

كل هذه موجهات يمكن الاسترشاد بها لإضفاء هوية جديدة على القطاع الخاص، وإعطائه الديناميكية اللازمة لتمكينه من القيام بدوره بالصورة المثلى.

 

تعليق عبر الفيس بوك