الاستفادة القصوى من اتفاقية الشراكة بين عُمان والهند

 

 

 

أ.د. سعيد بن مبارك المحرّمي **

 

بعد أن وقَّعت سلطنة عُمان اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة الأمريكية ونفاذها في 2009، واتفاقية أخرى مع سنغافورة، ها هي مُؤخرًا توقع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة مع جمهورية الهند، ولا     شك أن حكومة السلطنة تسعى من خلال توقيع هذه الاتفاقيات إلى الاستفادة منها ماليًا وتجاريًا واقتصاديًا، إلّا أننا أمام مرحلة تقييم حول الاستفادة من الاتفاقيات السابقة مع الولايات المتحدة الأمريكية وسنغافورة، وما إذا كانت قد حققت الأهداف؟ حتى لا تكون اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة مع جمهورية الهند كالاتفاقيات السابقة، وتُضيِّع الايرادات الحكومية من خلال الإعفاءات من الضرائب والرسوم، ويكون الطرف الآخر هو المستفيد!

والسؤال المطروح: ما آلية التنفيذ المناسبة للجانب العُماني للاستفادة القصوى من هذه الاتفاقية؟

وللإجابة على السؤال وحتى تتحقق الاستفادة القصوى من هذه الاتفاقية، لا بُد من وجود خارطة طريق تنفيذية مُقسَّمة إلى 3 مراحل زمنية (قصيرة، متوسطة، طويلة المدى)، مع تحديد الأدوار والنتائج المتوقعة.

في المرحلة الأولى؛ وهي مرحلة التأسيس والتجهيز، وهذه المرحلة قصيرة المدى لا تتجاوز عامًا كاملًا (من 0 إلى 12 شهرًا)، يتم فيها إنجاز الآتي:

1. الحوكمة والتنظيم: من الضروري فيها أولًا تشكيل لجنة وطنية بمرسوم سلطاني، على أن يكون هدف اللجنة الرئيسي الإشراف على تنفيذ بنود الاتفاقية ووضع المصلحة العُمانية أولويةً. ثانيًا: إنشاء وحدة إدارية دائمة بوزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار بقرار من الوزير للمُتابعة المباشرة لهذه الاتفاقية وغيرها من الاتفاقيات المشابهة. ثالثًا: قيام وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار بإعداد دليل وطني موحّد لشرح الاتفاقية للقطاعين العام والخاص. وبناءً على ذلك، فإنَّ من النتائج المتوقعة حوكمة واضحة ومنع تضارب الصلاحيات بين الجهات الحكومية.

2. التحليل القطاعي السريع: من الأهمية إعداد دراسات تفصيلية حول طبيعة السلع العُمانية القابلة للتصدير إلى جمهورية الهند، ومعرفة السلع والخدمات الهندية ذات التأثير المحتمل على السوق المحلي. وبناءً عليه تُصنَّف القطاعات إلى قطاعات يمكن تصدير منتجاتها، وقطاعات تحتاج إلى حماية. ومن النتائج المتوقعة من هذه الإجراءات: اتخاذ قرارات مبنية على بيانات وإحصائيات دقيقة وليس بناء على تقديرات عشوائية.

3. تمكين القطاع الخاص: وذلك من خلال عقد ورش تعريفية للمُصدِّرين والمستثمرين، إضافة إلى إطلاق نافذة إلكترونية خاصة بالاتفاقية تحتوي على الإجراءات، وقواعد المنشأ، علاوة على الفرص التجارية والاستثمارية المتاحة، وربط رجال الأعمال في سلطنة عُمان من خلال غرفة تجارة وصناعة عُمان بنظرائهم في جمهورية الهند. والنتيجة المتوقعة لذلك رفع جاهزية الشركات العُمانية للاستفادة الفعلية من هذه الاتفاقية.

4. إنشاء مخازن في المناطق الحرة والمناطق الصناعية والأماكن القريبة من الموانئ العُمانية، وذلك بالتنسيق مع القطاع الخاص، بحيث تهدف لإعادة تصدير البضائع والسلع الهندية بعد إضافة قيمة مضافة وبلد المنشأ بعد تجميع وتغليف وعمل إضافات أخرى لها. وتكون النتيجة المتوقعة من ذلك استغلال الموقع الاستراتيجي لسلطنة عُمان ليكون مركزًا مهمًا لإعادة التصدير وتنشيط الموانئ العُمانية وبالتالي إيرادات إضافية للدولة.

أما المرحلة الثانية؛ فهي مرحلة التفعيل والتوسع، وهي مرحلة متوسطة المدى (من 1 سنة واحدة إلى 3 سنوات)، بحيث يتم فيها:

1.  الاستثمار المشترك، وذلك باستهداف شركات هندية كبرى لإنشاء: مصانع تجميع، ومراكز لوجستية، ومراكز أبحاث وتطوير، بحيث يتم ربط الحوافز بنسب التعمين، والمحتوى المحلي، والتصدير للأسواق الخارجية. ومن النتائج المتوقعة من ذلك تحويل سلطنة عُمان من سوق استهلاكي إلى مركز إنتاج.

2. تعظيم الصادرات العُمانية من خلال دعم القطاعات التالية بشكل مركّز: الصناعات التحويلية، والبتروكيماويات، والمنتجات الغذائية، والمعادن، والخدمات اللوجستية. علاوة على إنشاء برامج دعم خاصة للتصدير إلى جمهورية الهند تشمل التمويل، وضمان الصادرات، علاوة على الترويج والتسويق لكل الصادرات العُمانية. ومن النتائج المتوقعة لذلك زيادة الصادرات غير النفطية وتقليص العجز التجاري على مستوى جميع القطاعات مع جمهورية الهند.

3. حماية السوق المحلي بذكاء، وذلك بمراقبة تأثير الواردات من السلع والبضائع، إضافة إلى الخدمات بشكل دوري. مع ضرورة تفعيل أدوات الحماية المؤقتة، ومراجعة قوائم السلع الحساسة، ودعم تحديث المصانع المحلية لرفع تنافسيتها. والنتائج المتوقعة من هذه الإجراءات انفتاح اقتصادي دون إضعاف الإنتاج الوطني.

أما المرحلة الثالثة؛ فهي مرحلة التكامل والاستدامة، وهي مرحلة طويلة المدى (من 3 إلى 5 سنوات)، يتم فيها:

1. التكامل في سلاسل القيمة العالمية من خلال دمج الشركات العُمانية في سلاسل الإمداد الهندية.

2. جعل سلطنة عُمان منصة تصدير للأسواق الخليجية، والإفريقية، والآسيوية. والنتيجة المتوقعة لذلك تعزيز مكانة عُمان كمركز تجاري وصناعي إقليمي.

3. تقييم شامل وإعادة ضبط السياسات، على أن يشمل التقييم الأثر الاقتصادي للاتفاقية على النمو الاقتصادي، التوظيف، وعلى إيرادات الدولة.

4. تعديل السياسات التجارية والاستثمارية بناءً على نتائج التقييم. والنتائج المتوقعة من إجراءات هذه المرحلة استدامة المكاسب الاقتصادية وتعظيم العائد الوطني.

وفي الختام.. فإنَّ نجاح اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين الهند وسلطنة عُمان لن يتحقق بالتغني بوجود الاتفاقية، ولا بزيادة الواردات من البضائع والسلع الهندية؛ بل بتحويل اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة إلى أداة لجذب الاستثمار، وتوطين الصناعات، وإعادة التصدير للبضائع والسلع ذات المنشأ المحلي بزيادة قيمة مضافة عليها، وفتح أسواق جديدة للصادرات العُمانية.

** أكاديمي وخبير اقتصادي

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة

z