الرؤية- أحمد السلماني
يرسم منتخبا الأردن والمغرب المشهد الختامي لبطولة كأس العرب لكرة القدم، التي احتضنتها دولة قطر منذ مطلع ديسمبر الماضي، في نهائي مرتقب يجمع بين طموح تاريخي أردني وسعي مغربي لتكريس التفوق العربي المتواصل. ويستضيف ملعب لوسيل بالعاصمة الدوحة المواجهة النهائية تمام الساعة الثامنة بتوقيت مسقط، التي تترقبها الجماهير العربية بوصفها قمّة فنية وتكتيكية عالية المستوى، تجمع بين منتخبين قدّما مسيرة لافتة منذ دور المجموعات وحتى المربع الذهبي.
وبلغ المنتخب المغربي المباراة النهائية بعدما قدّم عرضًا قويًا في الدور نصف النهائي، متجاوزًا نظيره الإماراتي بثلاثية نظيفة، أكد من خلالها قدرته على الحسم وتنوع الحلول الهجومية. في المقابل، واصل منتخب الأردن رحلته الاستثنائية في البطولة، ونجح في إقصاء المنتخب السعودي بهدف دون رد، ليؤكد صلابته الدفاعية وقدرته على إدارة المباريات الكبرى بأعلى درجات الانضباط.
صراع الطموح والهيبة
يدخل المنتخبان النهائي بطموحات متكافئة وأحقية فنية واضحة؛ فالأردن ظهر كأكثر المنتخبات توازنًا من حيث الأداء التكتيكي والالتزام الجماعي، بعدما أطاح بمنتخبات ثقيلة مثل مصر والعراق والسعودية، بينما يحضر المنتخب المغربي مدججًا بالأسماء والخبرة، وممثلًا لاستمرارية النهضة الكروية المغربية التي فرضت حضورها في مختلف المحافل القارية والدولية خلال السنوات الأخيرة.
ويحمل النهائي طابعًا خاصًا على المستوى الفني، إذ يشهد مواجهة مغربية خالصة بين المدربين جمال السلامي، قائد مشروع النشامى، وطارق السكتيوي، مدرب المنتخب المغربي. ويسعى السلامي إلى كتابة فصل جديد في مسيرته التدريبية عبر قيادة الأردن للتتويج بأول لقب عربي في تاريخه، بعدما سبق له التفوق على المدرسة الفرنسية ممثلة بهيرفي رينار في نصف النهائي أمام السعودية، واضعًا المدرب الفرنسي تحت ضغط إعلامي كبير.
أما السكتيوي، فيتطلع إلى الإبقاء على اللقب العربي داخل القارة الإفريقية، بعد تتويج الجزائر بنسخة 2021، واستعادة أمجاد اللقب الوحيد الذي حققه المغرب عام 2012، مستندًا إلى حالة الثقة التي تعيشها الكرة المغربية على مستوى المنتخبات والفئات السنية.
الأردن.. صلابة جماعية رغم الغيابات
لم يتأثر منتخب الأردن بغياب نجمه الأبرز يزن النعيمات، الذي تعرّض لإصابة بقطع في الرباط الصليبي خلال مواجهة العراق في ربع النهائي، إذ نجح السلامي في إعادة توظيف العناصر المتاحة، وتألق أكثر من لاعب في تعويض الغياب، على رأسهم علي علوان، ومحمود مرضي، ومحمد أبو زريق “شرارة”. وواصل المنتخب الأردني اعتماده على النهج الدفاعي المنظم، مع الانطلاق السريع عبر الهجمات المرتدة، وهو الأسلوب الذي أثمر انتصارين متتاليين دون استقبال أي هدف في الأدوار الإقصائية.

المغرب.. حلول متعددة وقوة هجومية شاملة
على الجانب الآخر، أظهر المنتخب المغربي مرونة تكتيكية كبيرة، إذ لجأ إلى أسلوب الهجمات المرتدة بعد التقدم في النتيجة أمام الإمارات، مستغلًا المساحات ليضيف الهدفين الثاني والثالث. ويعوّل السكتيوي على أسماء قادرة على صناعة الفارق، أبرزهم كريم البركاوي، وأمين زحزوح، وأسامة طنان، إلى جانب الإسهام الهجومي اللافت من الخط الخلفي، حيث يبرز محمد بولكسوت في الأدوار المتقدمة، فضلًا عن خطورة سفيان بوفتيني في الكرات الثابتة.
وأكد جمال السلامي أن وصول الأردن إلى النهائي جاء ثمرة جهد وانضباط اللاعبين، مشددًا على أن المنتخب “يكبر مع المنافسة”، ومعبّرًا عن سعادته بمواجهة صديقه طارق السكتيوي في النهائي، واصفًا اللقاء بأنه يحمل “مشاعر وأجواء مختلفة” بحكم مواجهة منتخب بلاده الأم.
بدوره، شدد طارق السكتيوي على أن بلوغ المغرب النهائي تحقق بفضل التواضع وروح المجموعة، معتبرًا أن مواجهة الأردن بقيادة السلامي تمثل صورة مشرّفة للمدرب المغربي على الساحة العربية، ومؤكدًا أن وجود مدربين مغربيين في النهائي يعكس العمل المتراكم والنهضة الحقيقية لكرة القدم الوطنية.
أرقام وإحصائيات
تُشير المواجهات التاريخية بين المنتخبين إلى أفضلية مغربية واضحة، إذ التقيا في خمس مباريات سابقة، فاز المغرب في أربع منها، بينما انتهت مواجهة واحدة بالتعادل، دون أن يحقق الأردن أي انتصار حتى الآن. وعلى مستوى الأرقام الفنية، يتفوق المغرب هجوميًا من حيث معدل التسديد وصناعة الفرص، في حين يتميز الأردن بانضباطه التكتيكي وقدرته العالية على استغلال الأخطاء وركلات الجزاء.
ومن المرجح أن يدخل المدير الفني جمال السلامي المباراة النهائية بالتشكيلة ذاتها التي اعتمد عليها في مواجهتي العراق والسعودية، مع الحفاظ على التوازن الدفاعي والاعتماد على التحولات السريعة في الهجوم. ومن المتوقع أن يحرس المرمى يزيد أبو ليلى، فيما يتكوّن الخط الخلفي من عبدالله نصيب وسعد الروسان في عمق الدفاع، وإلى جانبهما حسام أبو الذهب وأدهم القرشي على الأطراف.
وفي منطقة الوسط، يُنتظر أن يعتمد السلامي على الثلاثي عامر جاموس ونزار الرشدان ومحمود مرضي، مع أدوار مزدوجة تجمع بين الواجبات الدفاعية وصناعة اللعب، بينما يقود مهند أبو طه الجانب الهجومي من الوسط. أما في الخط الأمامي، فيتوقع أن يقود علي علوان الهجوم الأردني، إلى جانبه عودة الفاخوري، في محاولة لاستغلال المساحات خلف الدفاع المغربي.
على الجانب الآخر، يتوقع أن يدخل المنتخب المغربي بقيادة طارق السكتيوي المواجهة النهائية بتشكيلة تميل إلى المبادرة الهجومية مع مرونة تكتيكية في التحول الدفاعي. ومن المنتظر أن يتولى مهدي بنعبيد حراسة المرمى، وأمامه رباعي الدفاع المكوّن من سفيان بوفتيني ومروان سعدان في قلب الدفاع، مع محمد بولكسوت وحمزة الموساوي على الأطراف.
وفي خط الوسط، يرجّح أن يعتمد السكتيوي على محمد ربيع حريمات وأنس باش لتأمين التوازن، إلى جانب أسامة طنان كعنصر صانع لعب متقدم. وفي المقدمة، يقود الثلاثي أمين زحزوح ووليد أزارو او حمد الله وكريم البركاوي الخط الهجومي، مع تنوّع واضح في الأدوار بين التحرك بين الخطوط والضغط العالي واستغلال الكرات المرتدة.
طاقم تحكيمي أوروبي لقمة عربية
أعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” تعيين الحكم السويدي غلين نايبرغ لقيادة المباراة النهائية، بمساعدة طاقم أوروبي وآسيوي، في خطوة تعكس أهمية وحساسية اللقاء. كما أسندت مهمة الإشراف على تقنية حكم الفيديو المساعد (VAR) إلى طاقم دولي يضم حكامًا من سويسرا وقطر والسعودية، لضمان أعلى درجات الدقة التحكيمية في ليلة التتويج.
ويدخل المنتخبان النهائي بطموح مضاعف، فإلى جانب المجد العربي، ينال البطل جائزة مالية تبلغ 7.1 مليون دولار، مقابل 4.1 مليون دولار للوصيف، ما يضيف بُعدًا تنافسيًا إضافيًا لموقعة لوسيل، التي تعد بنهاية استثنائية لنسخة عربية حبست الأنفاس حتى محطتها الأخيرة.
