آهات الحروف

 

د. سالم بن محمد الغيلاني

تتأوه الحروف.. نعم إنني أسمعها مجازًا وتبكي الكلمات، أحاول جاهدًا أن أُمسك بزمام اللغة ولولا المجاهدة لما استطعت لذلك من سبيل.. أيها العابرون إلى اللانهاية على ظهور سفائنكم وقد نشرتم الأشرعة البيضاء ورفعتم الماشوة، لمن تتركونا على الشواطئ؟ نلوِّح لكم بكلتا اليدين ودموعنا تحفر أخاديد الملوحة، وألم الفراق.

أيها العابرون إلى البرزخ، ستحن لكم الأرواح وهي تعلم أن سفركم لا إياب له، وأن غربتكم ستطول. ودَّعت العفية شيوخها واحدًا تلو الآخر، وكأنهم قد اتفقوا على الرحيل سنيار، إلى حيث اللامكان، إلى حيث الراحة الأبدية، ولسان حالهم يقول آن لهذه الأجساد أن تستريح، وآن لهذه الأشرعة أن تُطوى، وآن لهذه السفائن أن تيحب في خور البطح.

هذا آخر الربابنة هذ أخر العازفة له ضلوعنا ترانيم الفراق، والداقة له قلوبنا آهات الأوجاع.

إنها الرحلة الوحيدة التي لا توجيهات للربان فيها لأحد، لا للسكوني ولا لولد شربه ولا لكائن من كان على ظهر الغنجة.. دعْ البحر يتلاطم، دعه يُزمجر، دعْ الشراع تتلاعب به الرياح، ليس هناك من يدير بالًا للنجوم والاهتداء بها، ولا للطيور التي يعني تواجدها بقرب اليابسة.

كل هذا لا يعني شيئًا أبدًا، إنها رحلة استثنائية.

أيها الشيخ المبتسم دومًا، المُعمَّم أبدًا بتلك العمامة الصورية، ستبكيك المساجد التي ارتفعت مآذنها، وستئِن شوقًا إليك، سيبكونك أطفال وأسر، رسمتَ الابتسامة على وجوه أفرادها.

حان الرحيل.. نعم حان ونادى المُنادي، وكأن الأخ اشتاق إلى أخيه، فهما كانا فرقدين يتنافسان على إضاءة الطريق لكل حائر، ويتنافسان من سيمسح دمعة المحتاج أولًا، فكان كل واحد منهما يشد عضد الآخر.

الآن طُوِيَت الصحائف، والأنير تم إنزاله في البحر إيذانا بانتهاء الرحلة.

هذا هو حال هذه الدنيا، فهل من مُتعظٍ؟ فهل من مُتعظٍ، فهل من مُتعظٍ؟!

غفر الله للشيخ سهيل بن سالم بن عبد الله المخيني والشيخ سعود بن سالم بن عبد الله المخيني، وأسكنهما فسيح جناته، وغفر لجميع أموات المسلمين.. اللهم آمين.

سهيل-بهوان.jpg
 

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة

z