د. علي بن حمدان بن محمد البلوشي **
يمثل القطاع الصناعي إحدى أهم ركائز دعم الاقتصاد الوطني في سلطنة عُمان، لما له من قدرة على تنويع مصادر الدخل وتعزيز القيمة المضافة وخلق بيئة اقتصادية متطورة تواكب مستهدفات رؤية "عُمان 2040".
وقد أولت الرؤية اهتمامًا خاصًا بالصناعة باعتبارها قطاعًا استراتيجيًا قادرًا على جذب الاستثمارات وتطوير التقنيات الحديثة ورفع مساهمة الصناعات التحويلية في الناتج المحلي، مما يعزز تنافسية السلطنة إقليميًا ودوليًا، ويهيّئ أرضية صلبة لانطلاق مشاريع شبابية واعدة تشكل أساسًا لنمو اقتصادي مستدام.
وفي هذا السياق، يؤدي القطاع الصناعي دورًا محوريًا في تمكين الشباب من إقامة مشاريع إنتاجية نوعية عبر توفير بيئة مواتية تشمل البنية الأساسية، والمدن الصناعية المتكاملة، والحاضنات التقنية، إلى جانب توفير فرص عمل متنوعة تشمل المهارات الفنية والهندسية والإدارية.
ومع توسع سلاسل التوريد وزيادة الاحتياج للمنتجات المحلية، تصبح الفرصة أكبر أمام الشباب لإطلاق مصانع صغيرة ومتوسطة ترفد السوق المحلي وتساهم في الاكتفاء الذاتي وإيجاد وظائف جديدة. كما يبرز دور الشركات الكبرى والقطاع الصناعي الحالي في دعم الصناعات الناشئة؛ حيث يتجه العديد منها نحو تبني ممارسات تشاركية مع المشاريع الصغيرة بدلاً من منافستها، سواء عبر فتح المجال أمامها للدخول ضمن سلاسل الإمداد، أو من خلال برامج المسؤولية الاجتماعية التي تركز على تمكين رواد الأعمال الصناعيين.
وتتكامل هذه الجهود مع الدعم الحكومي الذي يشمل تقديم الحوافز وتشجيع الاستثمار وتبسيط الإجراءات، فضلًا عن توفير برامج لتمويل المشاريع الصناعية وتطوير المهارات الفنية والتقنية لدى الشباب.
ورغم هذه الفرص، يواجه الشباب العديد من التحديات عند إنشاء مصانع جديدة، أبرزها صعوبة الحصول على التمويل المالي نظرًا لحاجة المشاريع الصناعية لرأس مال مرتفع، إضافة إلى التعقيد الذي قد يصاحب إجراءات التصاريح والتراخيص، ونقص الخبرة في إعداد دراسات الجدوى الدقيقة التي تضمن نجاح المشروع واستدامته. كما تمثل معرفة السوق وآليات التسويق وامتلاك التقنيات الحديثة تحديات أساسية تتطلب دعمًا وتوجيهًا مستمرين.
ولمواجهة هذه التحديات، تبرز الحاجة إلى حلول عملية تشمل تعزيز دور الحكومة في تبسيط الإجراءات وتسريع التراخيص وتفعيل النافذة الموحدة، وتوفير حزم تمويل ميسرة وإعفاءات تشجيعية، وتطوير برامج تدريب تقني وهندسي متقدم. كما يبرز دور الشركات الصناعية القائمة في دعم المشاريع الناشئة من خلال نقل الخبرات، وتوفير مساحات وتجهيزات للتجربة والتطوير، ودمج المنتجات المحلية ضمن سلاسل التوريد؛ بما يعزز قدرة الشباب على الدخول بقوة إلى السوق الصناعي.
وختامًا.. إنَّ مستقبل الصناعة في سلطنة عُمان يعتمد على التحول نحو صناعات متجددة وحديثة تستند إلى التكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي؛ مما يجعل تطوير المهارات القيادية والفنية لدى الشباب ضرورة ملحّة لتمكينهم من قيادة مصانع المستقبل. ويأتي دور الحكومة محوريًا في تدريب وتأهيل الشباب، وتطوير الأنظمة الداعمة، وتسهيل الإجراءات، وتكامل القطاعات الاقتصادية؛ بما يسهم في إقامة مصانع مبتكرة وحديثة قادرة على المنافسة، ويعزز مسيرة السلطنة نحو تحقيق رؤية "عُمان 2040" وبناء اقتصاد صناعي مُستدام ومتطور.
** مستشار أكاديمي
