د. أسماء حجازي
لا تزال الأزمة في اليمن واحدة من أسوا الأزمات الإنسانية في العالم؛ فالحرب التي تجاوز عمرها سنوات عديدة، سرقت من اليمنيين كل أيامهم، فلم تتوقف فيها عجلة الموت والانتهاكات المختلفة بحق المدنيين، مُخلِّفةً جروحًا غائرة في الوجدان اليمني، جرَّاء الانتهاكات الصارخة التي اقترفها أطراف الصراع.
ومنذ بداية عام 2025، تضاعفت معاناة اليمنيين، وتفاقمت المأساة الإنسانية؛ حيث ما يزالوا يعيشون في وضع حقوقي مزري مليء بالانتهاكات، خاصةً مع استمرار أطراف الحرب في انتهاك حقوق الإنسان. انتهاكات متعددة وتتنوع بين الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري، وحوادث القتل غير المشروع والتعذيب حتى الموت؛ بما في ذلك العنف الجنسي، وغير ذلك من أشكال المعاملة القاسية والمهينة، فضلًا عن الحرمان من حرية الرأي والتعبير والدين والمعتقد، والنزوح القسري فرارًا من المعارك، ناهيك عن سياسات التجويع، وعدم القدرة على توفير الاحتياجات الأساسية، وما يصاحب ذلك من التدهور الكبير في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
وفيما يتعلق بالحقوق المدنية والسياسية، فلقد كان للنزاع المسلح المطول في اليمن تأثير كبير في مجال الحقوق المدنية والسياسية في البلاد؛ حيث تقوم جميع أطراف النزاع- بما في ذلك القوات المنضوية تحت جماعة "أنصار الله" (الحوثي)، وقوات الحكومة اليمنية- بالاعتقال التعسفي للعديد من الأفراد الذين يُنظر إليهم على أنهم معارضون لطرف معين في النزاع، بما في ذلك المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيون، واحتجازهم في مراكز احتجاز رسمية وغير رسمية في جميع أنحاء البلاد. وفي 31 أغسطس 2025، احتجزت جماعة أنصار الله تعسفيًا 11 موظفًا من الأمم المتحدة و50 موظفًا من العاملين في منظمات غير حكومية ومنظمات المجتمع المدني العاملة في الأراضي الخاضعة لسيطرة الجماعة، من بينهم 8 نساء، وتم احتجازهم تعسفيًا بمعزل عن العالم الخارجي، دون أن يتم اتخاذ الإجراءات القانونية الواجبة، أو أن يُسمح لهم بالتواصل مع أسرهم والمنظمات المعنية، وحتى الآن ما يزال مكان وجودهم مجهولًا، ولم تسمح سلطات الأمر الواقع بالوصول الفعلي إلي أي منهم.
وأكدت تقارير وقوع 434 حالة احتجاز تعسفي خلال عام 2024، ارتكبتها أطراف النزاع المختلفة في اليمن، بما فيها جماعة أنصار الله (الحوثي)، وقوات الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي، وقوات التحالف، والقوات المشتركة.
وشهد اليمن خلال عام 2025 استمرارًا في الجرائم الجسيمة لحقوق الإنسان. ووفقًا للتقارير قُتل 128 مدنيًا، بينهم 33 طفلًا و6 نساء، وأُصيب 93 آخرون، بينهم 35 طفلًا و8 نساء، نتيجة لهجمات عشوائية وعمليات قنص نُسبت إلى مسلحين في جماعة أنصار الله ضد المدنيين والأعيان المدنية في عدة محافظات؛ أبرزها البيضاء وعمران والجوف وتعز، وذلك خلال الفترة من يناير وحتى يونيو 2024.
وما يزال اليمن يواجه تحديات كبيرة في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية؛ حيث يؤدي الصراع إلى تفاقم أزمة سوء التغذية، ويوجد أكثر من 19.5 مليون مواطن- أي ما يزيد على نصف عدد السكان البالغ نحو 34.9 مليون نسمة- بحاجة إلى مساعدات إنسانية وخدمات حماية عاجلة، بزيادة نحو 1.3 مليون شخص عن العام الماضي؛ أي ما يعادل نحو 49% من السكان. ويعاني 2.2 مليون طفل من سوء التغذية الحاد، بما في ذلك أكثر من 540 ألف طفل دون سن الخامسة، يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد الذي يهدد حياتهم.
ويرجع انعدام الأمن الغذائي في البلاد في المقام الأول إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، فضلًا عن التدهور الاقتصادي الكبير في البلاد، إضافة إلى عدم انتظام المساعدات الإنسانية الغذائية المحدودة، واستمرار الصراع. كما تؤدي الأمطار الغزيرة والفيضانات في البلاد إلى تدمير الأراضي الزراعية، ومن ثم تعمل كل هذه العوامل علي دفع مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد في البلاد.
وفيما يتعلق بمستويات التعليم في اليمن، فوفقًا للإحصائيات الأخيرة يوجد أكثر من 4.5 مليون طفل في اليمن خارج المدرسة، وهو ما يمثل 39% من سكان البلاد في سن الدراسة؛ حيث تُظهر الأرقام الحديثة أن طفلًا من بين كل 4 أطفال في سن الدراسة، غير مُسجَّل في المدرسة، أما الذين يستطيعون الذهاب إلى المدرسة، فيضطرون إلى التعامل مع مرافق غير مُجهَّزة، ومُعلَّمين مُثقلين بالأعباء.
وأدت حالة التباطؤ الاقتصادي الناجمة عن الحرب- بجانب انعدام الأمن الغذائي- إلى دفع أكبر عدد من الأطفال إلى ترك المدرسة، وأصبح الكثير من الأسر تُلقي بأطفالها إلى سوق العمل عوضًا عن المدرسة؛ بهدف توفير متطلبات العيش، جراء الفقر المدقع وتدهور الأوضاع الاقتصادية بالبلاد.
وأصبحت المدارس في اليمن مدمرة ومهجورة وغير صالحة منذ فترة طويلة لتعزيز التعلم والأمل، فقد تسببت الحرب في دمار أكثر من 3400 مدرسة في مختلف أنحاء اليمن جزئيًا أو كليًا، أو تُستخدم لأغراض غير تعليمية، وسط عمليات نهب للعديد من المؤسسات التعليمية.
ولا يزال يؤدي النزاع بين أطراف الصراع في اليمن إلى نشوء مستويات مرتفعة من العنف الجنسي الذي تتعرض له نساء وفتيات بشكل مستمر، والذي تفاقم بسبب التشرد والفقر والعنف العشوائي، فضلًا عن ضعف هياكل الدعم الخاصة في حماية الناجيات، وإعادة تأهليهن. كما تتعرض نساء في اليمن للعنف القائم على النوع الاجتماعي والابتزاز عبر مواقع التواصل الاجتماعي وخاصةً "فيسبوك".
وتكشف التقارير عن تجنيد الأطفال واستخدامهم من قبل أطراف النزاع في اليمن، عن انتهاك خطير للقانون الدولي لحقوق الإنسان؛ حيث يُمثِّل الأطفال وقود الصراع وأبرز ضحاياه، وما يزالون هدفًا للتعبئة والتحشيد للجبهات. والمئات منهم يُساقون إلى الموت تباعًا، وآخرون يُجهَّزون كقنابل موقوتة تُهدِّد حاضر ومستقبل البلاد. وبحسب التقارير، فقد جنَّدت الأطراف المتحاربة في اليمن أكثر من 4 آلاف طفل، وتم استخدامهم في القتال والعمليات العسكرية، كما يتم استخدام الأطفال كدروع بشرية، وجواسيس، ولزرع الألغام الأرضية وغيرها من العبوات الناسفة، حسبما أفادت منظمات حقوقية.
ووفقًا لما سبق، يتعين على أطراف النزاع داخل اليمن ضرورة التوقف عن شن هجمات غير مشروعة على المدنيين، والتوقف عن استهداف المنشآت الصحية والمدارس، والكف عن استخدامها في الأغراض العسكرية.
*************
المراجع:
- هيومن رايتس ووتش، التقرير العالمي 2024، (https://2u.pw/L1naAyfQ).
- قناة الجزيرة القطرية، 17 مليون يمني على حافة المجاعة وأجيال كاملة محرومة من التعليم: (https://2u.pw/1VlKL1).
- وكالة خبر للأنباء، تقرير أممي: اليمن يعيش أسوأ فصول القمع والاختفاءات القسرية: (https://2u.pw/fEkn6P).
