د. محمد بن خلفان العاصمي
النهج الذي أرسى قواعده حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- من خلال نظام المحافظات واللامركزية الإدارية، يعد توجهًا حديثًا في إدارة الدول، وقد أدرجت رؤية "عُمان 2040"- ضمن محور الاقتصاد والتنمية وأولوية تنمية المحافظات والمدن المستدامة- أهدافًا استراتيجية لتحقيق هذه الأولوية، ونظمت التشريعات التي صدرت في هذا الشأن كنظام المحافظات وكذلك نظام المجالس البلدية لضمان تنفيذ التجربة بطريقة سليمة ومبتكرة تؤسّس لتوجه عام حديث نحو اللامركزية وتبسيط نموذج الإدارة بعيدًا عن التعقيدات والإجراءات الطويلة التي تُعد تحديا حقيقيا يواجه التنمية بشكل عام.
وتجربة سلطنة عُمان في تمكين المحافظات ومنحها صلاحيات واسعة لتنفيذ الخطط الاستراتيجية تهدف إلى تسريع عملية التنمية في المقام الأول وإظهار الإمكانات البشرية والاقتصادية والبيئية التي تمتلكها، وتنويع مصادر الدخل وفق النهج المقر في رؤية "عُمان 2040" من خلال الاستثمار في القطاعات الواعدة التي يؤمل أن تقود قاطرة التنمية الاقتصادية خلال المرحلة المقبلة، وهذه التجربة الثرية لا بُد أنها أفرزت كثيراً من الايجابيات التي تحققت على أرض الواقع، وفي نفس الوقت وكغيرها من التجارب لا بُد من وجود تحديات تستوجب الوقوف عليها واقتراح الحلول المناسبة لتستمر المنهجية في النمو والتطور.
ولا شك أن القائمين على هذا المشروع الوطني يدركون الجوانب التي تحتاج إلى تعزيز ومراجعة وتطوير، وبكل تأكيد هناك عمل مستمر نحو ذلك، وحتى تستمر عملية التطوير لابد من وجود شراكة فاعلة بين هذه الجهات وبين مجلس الشورى على وجه الخصوص، لا سيما وأن الجوانب الخدمية التي تستهدف المواطن أنيطت بالمحافظات والمجالس البلدية، وحيث إنَّ مجلس الشورى اختص بمتابعة أداء الوحدات الحكومية إلى جانب الاختصاص التشريعي المتمثل في مراجعة القوانين وكذلك الاختصاصات الأخرى، هذه الشراكة مهمة للجانبين ليس على سبيل الرقابة وإنما الشراكة الفاعلة التي تصب في بناء الوطن.
ومرور 5 سنوات على هذا المشروع الوطني، جدير بإخضاعه إلى التقييم الشامل ومراجعة النتائج التي تحققت وما نُفِّذ من الخطط والبرامج التي وُضعت، ولا بُد من إشراك المواطن الذي هو المحور الرئيسي في هذه العملية؛ فهو من يجب أن يكون الترمومتر الحقيقي لقياس مدى نجاح المشروع وأهدافه ونتائجه وهو المؤشر الذي يجب أن يكون المرجعية في التَّعرف على مواطن القوة والضعف وبالتالي العمل على إيجاد الحلول المُناسبة للخلل وتعزيز جوانب القوة.
أدركُ تمامًا أن التجربة تخضع للمتابعة المستمرة من قبل الجهات المختصة، ويعاونها في ذلك عدد من الجهات التي تختص بجانب الرقابة والمتابعة، وهذه المتابعة المستمرة ساهمت في تحقيق المستهدفات التي وضعت عند بداية تنفيذ المشروع، وبكل تأكيد هناك حاجة إلى التقييم الشامل من خلال مؤسسة مستقلة مختصة أو من خلال منظومة تقييم، تقيسُ مؤشرات الأداء، ومن وجهة نظري أجدُ أن عملية التنافس الإيجابية يجب أن تكون حاضرة لتعطي وقود استمرارية التطوير والتحسين ومن المهم أن يكون هناك نتائج تعلن وتصنيف ينشر يبين ما قدمته المحافظات خلال كل عام.
ومنظومة المحافظات قادرة على المُساهمة في وضع حلول لعديد الملفات الوطنية الهامة مثل ملف الباحثين عن عمل وملف التنويع الاقتصادي؛ حيث تمتلك المحافظات الممكنات التي تؤهلها للمساهمة في حل هذه الملفات؛ فالتنوع الذي تزخر به سلطنة عُمان على مستوى الموارد والتنوع الجغرافي يمكنها من التركيز على القطاعات الاقتصادية التي تخدم المجتمع بشكل مباشر، ولا بُد من أن توجه المحافظات إلى استهداف هذه الممكنات والموارد بشكل مباشر، مع رفد المحافظات بالخبراء والمستشارين المختصين والمخططين الاستراتيجيين الذين يملكون القدرة والخبرة في التخطيط الاستراتيجي والاقتصادي لاستثمار الموارد المتاحة في المحافظات.
إنَّ تنمية المحافظات ومنحها صلاحيات الإدارة مشروع يجب أن يستمر، وتجربة رائدة متميزة متفردة وللحفاظ عليها يجب أن تولى العناية الكاملة وأن تخضع لمؤشرات واضحة، كما إن تقييم الأداء ووضع معيار الكفاءة الإدارية مع الضوابط التنظيمية، أمران مُهمان لضمان الوصول إلى الغايات السامية، وحتى تستثمر الموازنات المخصصة بالشكل الأمثل دون هدر، وعلى القائمين بأمر المحافظات أن تكون التنمية المستدامة والمشاريع ذات الأولوية القصوى والاستدامة الاقتصادية والاجتماعية هي المستهدف الرئيس.
