حسين الراوي
أثار المشهد الذي جرى مؤخرًا في حديقة العامرات بالعاصمة مسقط، خلال فعاليةٍ أقامها النادي الاجتماعي الهندي بمشاركة جموع من أبناء الجالية، موجةً من الجدل والاستغراب. إذ تضمّن الحدث عرضًا لتمثال بقرة مزينة بالزهور، وهو ما فُسّر من قِبل كثيرين كرمزٍ ديني هندوسيّ، في فضاءٍ عامٍ داخل بلدٍ إسلاميّ له ثوابته وقيمه الدينية والاجتماعية.
ومن هنا انطلقت الأسئلة الكبرى: هل التسامح الديني يُمارس بمعناه المطلق؟ أم أن له حدودًا مرسومة لا يمكن تجاوزها، تبدأ من سيادة الوطن وأمنه، وتمرّ باحترام مشاعر الشعب، وتنتهي عند هيبة الدولة التي لا يُقبل المساس بها تحت أي ذريعةٍ ثقافية أو فنية أو دينية؟
ثم يأتي السؤال الأعمق: ما الذي جرّأ أولئك المنظمين ودفعهم إلى ذلك التمادي الذي صدم المجتمع العُماني؟ أهو سوء تقدير؟ أم تراكم مظاهر تساهلٍ فسّرها البعض خطأً على أنها تسامح بلا سقف ولا ضوابط؟
وما الذي يمنع- إذا لم تُوضع ضوابط صارمة- أن نرى في الأيام القادمة تجمّعاتٍ أو مظاهراتٍ مشابهة، وربما أوسع نطاقًا، تتجاوز حدود “الاحتفال” إلى استعراضٍ علنيٍّ لرموز عقائديةٍ تمس مشاعر الناس وتثير حساسياتٍ مجتمعية؟
إنّ ما حدث، وإن بدا بسيطًا في ظاهره، قد يكون جرس إنذار يُنبّه إلى خللٍ في فهم الآخر عن التسامح وآدابه في المجتمعات الخليجية عامة، والعُمانية على وجه الخصوص.
إن لتسامح الذي أرسته سلطنة عُمان كقيمةٍ إنسانيةٍ راقية لا يجب أن يفهمه الآخر على أنه بوابة مفتوحة لكل مَن شاء أن يعبر كيف شاء؛ بل هو عقدٌ اجتماعيٌّ يقوم على الاحترام المتبادل وضبط السلوك في الفضاء العام.
لا شك أن التسامح لا يعني ذوبان الهوية، ولا يعني أن يُمارس الآخر طقوسه الدينية بشكلٍ فوضويٍّ أو نافذٍ إلى حياة الناس في الحدائق العامة أو الشوارع.
إنّ التسامح الذي يُراد له أن يكون قيمةً إنسانية سامية، لا بُد أن يُحاط بسياجٍ من الاحترام والضوابط التي تحفظ كرامة الجميع دون أن يُمسّ جوهر الوطن أو دينه أو سيادته.
وإن لم يُواجَه هذا التمادي بحزمٍ وتوضيحٍ للحدود، فإنّ ما حدث اليوم قد يتكرر غدًا بشكلٍ أشد استفزازًا، حين يظنّ البعض أن صمت الحكومات ضعف، وأن تسامحها قبول.
