د. عبدالعزيز بن محمد الصوافي
في كل عامٍ أكاديميٍّ جديد، تتجدد ظاهرةٌ قديمةٌ تتخفّى خلف ابتساماتٍ زائفةٍ وكلماتٍ منمقة، هي ظاهرةُ تملقِ الطلابِ لأساتذتهم أملًا في كسب الدرجات لا المعرفة، ونيلِ الحظوة لا الاستفادة. يُتقن بعضُ الطلبةِ فنَّ كيلِ المديحِ والتملق، والقيامَ بالزياراتِ اليوميةِ لمكاتبِ أساتذتهم بغيةَ الظهورِ بمظهرِ الطالبِ المثاليِّ المجتهد، بينما هم في الواقعِ يبتعدون كلَّ البعدِ عن جوهرِ العمليةِ التعليميةِ القائمِ على الجهدِ والاجتهادِ والاعتمادِ على النفس.
المؤسفُ في هذه الظاهرةِ أنها لم تعد مقتصرةً على فئةٍ قليلةٍ من طلبةِ العلم، بل بدأت تنتشر في بعضِ المؤسساتِ الأكاديمية حتى غدت سلوكًا مألوفًا، تجد أصحابَها لا يكادون يغادرون مكاتبَ أساتذتهم متملقين ومنافقين، وفي أحيانٍ كثيرةٍ ناقلين للوشايةِ والنميمة. غير أن الحقيقةَ التي يغفل عنها هؤلاء أن التعليمَ الحقيقيَّ لا يحمي المتملقين، وأن التملقَ قد يمنحُ صاحبَه علامةً مؤقتةً غيرَ مستحقة، لكنه يسلبه مستقبلًا كاملًا. فالعلمُ لا يُقاس بالدرجات؛ بل بالقدرةِ على الفهم، والإبداع، وتطبيقِ المعرفةِ في الحياةِ العملية.
الأستاذُ الجامعيُّ الواعي لا تخدعه الكلماتُ المنمقةُ ولا التصنعُ الزائفُ الذي يُبديه طلابُه له، لأنه يُدرك أن هدفَه الأسمى هو بناءُ العقول، لا السقوطُ في فخِّ الفرحِ بالمجاملاتِ العابرة أو الطربِ لسماعِ الإطراءِ والمديحِ الزائف. أمّا الطالبُ الذي يسلك طريقَ التملقِ ومحاولةَ التسلقِ على أكتافِ الآخرين، فهو كمن يُدمّرُ مستقبلَه بيدِه؛ حيثُ سيكتشف لاحقًا أن درجاتِه العاليةَ ستسقط عند أولِ مقابلةٍ وظيفيةٍ يتقدّمُ لها أو عند إجراءِ أيِّ اختبارِ توظيفٍ تحريريٍّ حقيقيٍّ.
إن أخطرَ ما في التملقِ أنه يُفسد علاقةَ الطالبِ بأستاذه، ويشوّه معنى الجهدِ والمثابرة، ويقتل روحَ المنافسةِ الشريفة، ويخلق إنسانًا متملقًا غيرَ سويٍّ نفسيًا واجتماعيًا؛ حيثُ سيُمارس نفسَ هذه الأساليبِ المذمومةِ والسلوكياتِ المرفوضةِ في بيئةِ العمل مستقبلًا. التعليمُ يجب أن يظلَّ مساحةً خالصةً للبحثِ والاجتهادِ والصدق، لا ميدانًا للنفاقِ والتملقِ والمصالحِ الذاتيةِ الصغيرة. فحين يتحول التملقُ إلى وسيلةٍ للحصول على الدرجةِ والتقديرِ العالي، تفقد المعرفةُ قوتَها وبريقَها، ويتراجع الإبداعُ والتميّزُ والجهدُ أمام النفاقِ والتملقِ المذموم.
فلنقلْها بوضوحٍ وبلا مواربة: من يتملق اليومَ لينجحَ في امتحانٍ أو ليحصلَ على مرتبةٍ غيرِ مستحقة، سيفشل غدًا في امتحانِ الحياة. وحده الإخلاصُ في طلبِ العلم، والاحترامُ الصادقُ للنفس، هما الطريقان اللذان يصنعان إنسانًا متعلمًا بحقٍّ، لا متعلمًا بالتملقِ والنفاقِ والزيف.
** باحث أكاديمي
