صادق بن محمد بن سعيد اللواتي
بمُناسبة الذكرى الثالثة والخمسين لرحيل جلالة السُّلطان سعيد بن تيمور (1910-1972)، السلطان الرابع عشر من سلالة البوسعيدي، أتأمل في حقبة حكمه (1932-1970). على الرغم من أنَّ السرد الإعلامي يصف عهده غالبًا بـ"الفترة العصبية"، إلّا أنَّ التمعن في إرثه يكشف عن إنجاز تأسيسي لا يُمكن تجاهله: توحيد عُمان جغرافيًا وسياسيًا. هذا التوحيد هو الركيزة الأساسية التي قامت عليها نهضة عُمان الحديثة.
من الطبيعي أن يُنظر إلى إرث السلطان سعيد بن تيمور في كثير من الأحيان على أنه يتناقض مع النهضة الشاملة التي حققها ابنه، السلطان قابوس بن سعيد (طيب الله ثراهما). لكن يجب أن ندرك أنَّ لكل عصر ظروفه وتحدياته. تولى السلطان سعيد بن تيمور السلطة في سن الحادية والعشرين بعد تنازل والده السلطان تيمور بن السلطان فيصل عن العرش، وارثًا دولة مُمزقة، مثقلة بالديون، وتواجه صراعًا داخليًا وضغوطًا خارجية جمَّة.
بعد خدمتي في قوات السلطان المسلحة في ستينيات القرن الماضي (1960-1964)، أستطيع أن أشهد شخصيًا على أن أبرز إنجازات السلطان سعيد بن تيمور – وإن لم يعترف به على نطاق واسع – هو تحويل عُمان من مجرد اسم جغرافي إلى دولة واحدة ذات سيادة.
قبل توليه الحكم، كانت سلطته الفعلية لا تتجاوز مسقط وتمتد على طول ساحل الباطنة إلى صحار فحسب. وكما أشار القنصل البريطاني في مسقط آنذاك "ورث السيد سعيد بن تيمور عرشًا لم تتجاوز سلطته مدى مدافع الأسطول البريطاني".
في ذلك الوقت، كانت المناطق الداخلية خارجة عن سيطرته تمامًا تحت حكم الإمامة، وكانت المنطقة الشرقية، من جعلان إلى حدود صلالة، خاضعة لكيانات مُستقلة متعددة. فمثلاً، كانت ولاية جعلان آخر ولاية يحكمها الأمير المحلي، علي بن عبد الله آل حمود، قبل أن تسيطر عليها قوات السلطان المسلحة. وبعد هذا النجاح، كان لتعيين أخيه، السيد ماجد بن تيمور، حاكماً على صور دور حاسم في ترسيخ سلطة الدولة على تلك المنطقة. أضف إلى ذلك، كانت مناطق مثل البريمي وتوابعها عرضة للنزاعات الإقليمية الأجنبية.
لقد عمل السلطان سعيد بن تيمور بشكل منهجي على توحيد هذه الأجزاء المتباعدة والمتمردة في كيان واحد متماسك: سلطنة مسقط وعُمان. لم تكن جهوده صراعًا واحدًا (كقمع حكم الإمامة في الداخل)؛ بل كانت حملة شاقة مُتعددة الجهات لتأكيد السلطة المركزية وترسيخ السيطرة السياسية في كل شبر من البلاد. يُعد نجاحه في هذا المسعى، بكل الكلمة، حجر الزاوية في إرثه التاريخي.
وعلى الرغم من الصعوبات التي شابت عهده، يبقى إنشاء دولة واحدة ذات سيادة هو أبرز بوادر الأمل والنور. لقد مكَّن هذا التوحيد البلاد من الشروع في تحولاتها اللاحقة بنجاح. بهذا يستحق كل من الأب والابن ألقابًا مُميزة تصف دور كل منهما: السلطان سعيد بن تيمور "باني وحدة عُمان"، وابنه السلطان قابوس "باني نهضة عُمان".
هناك مدينة تحمل اسم باني نهضة عُمان؛ فهل سيجد العُمانيون الأُباة مدينة تحمل اسم باني وحدة عُمان في المُستقبل؟
في السنوات المتبقية من حياتي، آمل أن أستمر في مشاركة هذه الجوانب الإيجابية من حكمه، وذلك امتنانًا للطف الذي أبداه لي عندما زرته في صلالة عريفًا في فرقة جندرمة عُمان في نوفمبر 1963.
توفي السلطان سعيد بن تيمور في 19 أكتوبر 1972 في لندن، ودُفن في مقبرة يروكوود في ووكينغ، بإنجلترا.