شكرًا أُمامة وجمال.. وكل الشجعان

 

 

مصطفى بن محسن اللواتي

 

الدكتورة أمامة اللواتية، والمناضل جمال الرئيسي، هما سلسلة متكاملة متصلة عبر الزمن ممن أبوا أن يقولوا: "كنّا مستضعفين في الأرض"؛ بل وأبوا أن يقولوا: "إنّا ها هنا قاعدون"، ورفضوا أن يكونوا من "المخلفين"، فما كان لهم أن يتخلفوا عن طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فاختاروا طريق "ذات الشوكة"، "ونفروا" وما استطاعت جاذبية الأرض وبهرجتها أن تجعلهم "يثّاقلوا" إليها.

كان قرارهم بالتحرك لمحاولة كسر الحصار مستندًا إلى القرآن الكريم الذي يدعو لنصرة المستضعفين، وإلى أبسط مبادئ وقيَم الإنسانية، وإلى سيرة سيد الخلق(ص) ومن كان قبله ومن جاء بعده من الأنبياء والأوصياء والأولياء والأصفياء عليهم أفضل الصلاة والسلام ممن بذلوا مهجهم وأرواحهم في سبيل الله والمستضعفين.

"وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ..".

ليس في قرارهم غرابة، ولا في حركتهم غضاضة، لأنَّ طريقهم الذي اختاروه هو الصحيح رغم قلة سالكيه. الغرابة فيمن يفتعل الأعذار ليتباطأ عن هذا الدرب، ويسوق المبررات ليقنع نفسه أنه على صواب. ومما يؤسف له أن المسلم أصبح يعيش الهزيمة في داخله لمستوى لا تنفع حتى دماء الشهداء في انتشاله من حالة التردي والهاوية التي رضي لنفسه بها.

حالة الهزيمة الداخلية هذه خلقت فئات كبيرة لم تعد تبالي بما يحدث لإخوانهم في الإسلام، ولا لنظرائهم في الخلق، ولم تعد تهتم بما يمكن أن يصيب دينهم ومعتقداتهم من تشويه وتحريف ومن تقويض.

ومن المشين أن الوضع العربي الرسمي المتردي ساهم في خلق مشاعر الإحباط واليأس، فمن حكومات طبعت مع الكيان اللقيط فخرًا وزهوًا، إلى حكومات تطبع على استحياء، تدعم الكيان بالخفاء، والقادم أبشع وأفظع.

والأغرب من هؤلاء من يأتي ليلوم ويُخطّئ من يقوم بدورٍ تخاذلت عنه الأمة بكاملها إما عجزًا أو خوفًا أو تقاعسًا أو تماهيًا مع حكام أو صهاينة.

المضحك المبكي هو في طبيعة أعذارهم وتبريراتهم لهذا اللوم والتخطئة.

فمثلاً يقول أحدهم -والحديث عن الدكتورة أُمامة- إنها "لم تستأذِن وليها"، وكأنَّ من يسوق هذه الحجة عارفًا بخبايا حياتها وتفاصيلها اليومية؛ بل وينصب نفسه فقيهاً ومفتياً وهو لا يعرف أحكام طهارته من نجاسته.

ولمن لم يطّلع على فيديو حديث كان والد الدكتورة أُمامة الحاج العم مصطفى محمد كان يشيد فيه بابنته ويقول نصًّا إنه فخور بها ويهنئها على شجاعتها، فيما كان أخوها صادق يتحدث بمنطق شجاعٍ قوي.

وتارة يقول أحدهم "لم يأذن لها ولي الأمر"، والمتابع لسياسات وتصريحات سلطنة عُمان الرسمية سيجدها تتسق بوضوح مع ما قامت به أمامة وجمال، ولا أستبعد أن السلطنة تبارك مثل هذه الخطوات والمبادرات وإن لم تعلن ذلك.

وعمان أصدرت بيانًا رسميا قويًا وواضحًا أكدت فيه حرصها على سلامة مواطنيها، بل وكل المشاركين في السفينة، كما إنها نددت بالقرصنة الصهيونية، وطالبت المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته.

وآخر يتبختر "كيف تركب سفينة فيها اختلاط؟" ويبدو أن صاحبنا هذا لم يحج أو يعتمر!!!

ومثل هذا الكلام لا يسوقه إلا من لا يثق في أهله، ويعيش الشك داخله تجاههم، بل وربما منبع هذا المرض أنه هو من لا يجب أن يوثَق به.

وما يضحك الثكلى، ويفرح قلب المكروب حينما قال أحدهم: "وهل هناك حمامات خاصة بالنساء والرجال في السفينة؟".

لا أريد أن أناقش هؤلاء لأنهم لن يفهموا كلمة مما سأقول، فهؤلاء نخرتهم الطائفية، ووصلت الهزيمة داخلهم حدودها القصوى، وما أقوالهم تلك إلا فرار من واقعهم المزري، ولتبرير لتلك الهزيمة التي تعشعش داخلهم.

كما إن معظم هؤلاء لا يفهمون الهدف من قافلة الصمود، ومن تعليقاتهم تجد الاستخفاف بهذا المنجز الضخم، وتقرأ في تلك التعليقات حجم كارثة الوعي التي يعيشونها، حيث يظنون أن القافلة ذاهبة للتحرير، أو أنها ستحلّ أزمة التجويع الممنهجة التي يمارسها الصهاينة واللقطاء.

كما أسلفت لن أتوقف عند هذا الكلام وما شابهه لأنه دون مستوى النقاش، ولأنه أيضا لا يمثل صوت الجمهور العُماني والعربي، ولا نبض شارعه والذي ينبض تمامًا مع القضية الفلسطينية، ومع كل من يناصرها بأية وسيلة كانت، وأيضًا لأن عددا من الأصدقاء الكتّاب والمفكرين والمثقفين من أصحاب الوعي والذين نفخر بهم وبمواقفهم وأقلامهم كفونا مؤونة الرد على هذه العينات الغريبة.

ما أريد التوقف عنده أن هناك من حاول أن يدّعي الإنصاف، ليخرج بصورة الإنسان الواقعي فقال "أخطَأَت" و"الخطأ لا يعني التخلي عنها".

هل حقّا مثل هذه الخطوات خطأ؟ هل من يبادر لمساعدة الآخرين يرتكب خطأ؟ هل الفطرة الإنسانية التي أودعها الله فينا خطأ؟ هل الأخوة الإسلامية وواجباتها وحقوقها خطأ؟

أُمامة وكل قافلة الصمود لم يذهبوا وبأيديهم رشاشات وقنابل وصواريخ، بل ذهبوا ليثبتوا للعالم كم هو مجرم وسفاح هذا الكيان اللقيط. ذهبوا لعلهم يحركون ضمير عالم أصبح القوي فيه هو الخصم والحكم. ذهبوا لعلهم يكشفون -وقد نجحوا في هذا- كم هو مظلوم هذا الشعب طوال قرابة قرن من سياسات الفصل العنصري، والتهجير والتجويع وصولا للإبادة الجماعية.

كانت مهمة إنسانية لا عسكرية، لعل السماح لهم سيكسر حصار الجوع الذي يمارس ضد هذا الشعب المظلوم الصامد.

ولنتذكر جيدًا: مهمة إنسانية، أناس عزّل، واعتقال في مياه دولية لا تخضع للسيادة الصهيونية، وسجون خارج القانون، وقرصنة بحرية دولية مُحرَّمة.

هذه هي دولة الفصل العنصري والإبادة الجماعية.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة