من عُمان.. هُنا أمامة اللواتية وجمال الرئيسي!

 

 

زكريا الحسني

بالتأكيد ليس هما فحسب، وإنما كلٌ مَن صعد على متن تلك السُفُن بالنيابة عن شُرفاء هذا العالم، لأجل مد يد العون إلى شعب يُراد إبادته، ومنع إماتته جوعا، يُعَّد موقفا مشرفًا يدعو إلى الفخر والاعتزاز.

ويأتي تركيزي على أُمامة اللواتية بشكل خاص نظرًا لكونها من جهة امرأة، ومن جهة أخرى هي أم لفتاتين شابتين وشابين، إضافة إلى كونها تمتلك قلماً قدم نتاجات معرفية جميلة في ميدان الكتابة للأطفال، قررت مع هذا أن تنتفض تاركة وراءها كومة من أعمالها الكتابية التي ربما تحتاج منها إلى إتمام، لتمثل كل نساء عُمان، في رحلة الصمود والإباء والعَّزة والفخر.

إنني مُتأكد أنَّ العُمانيات اللاتي وقفت الظروف الصعبة في مواجهتهن ومنعتهن من مشاركتها، قد صعدن على متن هذه السُفُن معنويًا معها؛ إذ ما أعظم أن تحمل الأم بجانب كل مسؤولياتها الجسيمة، مسؤولية إبداء موقف تاريخي مُشرِّف لرفض الظلم والاستكبار في ظل تواطؤ دولي للتطهير العرقي لشعب مسلم أعزل، وأن تنطلق في مسيرةٍ إنسانية عظيمة سُمّيت بحق "أسطول الصمود". ذلك الأسطول الذي جمع أرواحًا طاهرة من شتّى بقاع الأرض هدفها كسر الحصار الغاشم المفروض على غزة ومواجهة المجاعة والإبادة الجماعية التي تُمارس بأبشع الأشكال والصور.

إنّ أُمامة اللواتية بخطوتها الشجاعة لم تخرج لأجل ذاتها؛ بل خرجت صوتًا للإنسانية وصرخة في وجه عالمٍ صامتٍ أمام المذابح والجرائم، فهي لم تحمل سلاحًا ولم تطلب جاهًا، بل توجهت نحو خطر داهم على حياتها؛ إذ لستُ أشك للحظة أنها تداولت في ذهنها ما قد ينتظرها من أولئك البؤساء الذين خرجوا عن نطاق الإنسانية وترنحوا في هاوية سحيقة من قذارة الروح وانحطاط الأخلاق وسقوط القيم، ومع هذا، فالخطر المنتظر لم يثنِ عزيمتها؛ بل زادها إصرارًا على تحمل المسؤولية وسط إيمان بعدالة القضية، وأملًا في أن الضمائر الحُرة قادرة على الوقوف في وجه الطغيان وتغيير المسار، ولعلّ هذا الاختطاف في يد الاحتلال الغاشم ليس إلا جرحًا مفتوحًا في جسد الإنسانية ونذيرَ شؤمٍ يكشف بوضوح حجم الزيف الذي تتغنّى به المنظومات الدولية.

فما تُسمّى بالأمم المتحدة وما يتفرع عنها من أنظمة ومسميات وقوانين ما هي في حقيقتها إلا أوراق تُرفع في الخطابات بينما الواقع يكشف زيفها وانعدام أثرها. لم نرَ من هذه القوانين ظلًّا على الأرض؛ بل وجدناها غطاءً لتبرير أفعال المحتل ومنصةً لتسويغ جرائمه في التعدي على سيادة الدول والشعوب.

ومن يرفع هذه الشعارات المزيّفة لا يؤمن حقًّا بالقوانين ولا يحترم الأنظمة ولا يقدّر الأعراف الدولية؛ بل يعرف لغةً واحدة: لغة القوة والسلاح. والتاريخ شاهد بأنّ ما أُخذ بالقوة لا يُستردّ إلا بالقوة.

ومع ذلك، فإنّ عزيمة الشعوب الحيّة لا تنكسر وإيمانها بالحق لا يزول. فأهل غزة اليوم يضربون أروع الأمثلة في الصبر والثبات وأصوات الأحرار من شتى بقاع الأرض تؤكد أنّ الحق لا يموت وإن طال الزمن.

لستُ أشك للحظة أن كل أمهات عُمان قد ابتهلنَّ إلى الله تعالى لأجل أُمامة اللواتية، ولا شك أن أطفالهن قد أمنوا على أدعيتهن وابتهالاتهن لأجل هذه السيدة الفاضلة، والتي نرجو لها وللزميل جمال الرئيسي وسائر من صعد على متن زوارق التضحية والصمود، أن يعود الجميع وقد أنجز المهمة الإلهية والإنسانية.

لا شك أنَّ هذا العدو الوحشي المدعوم دولياً للقتل وسفك الدماء لن يسمح بأن يصل شيء مما حملته سُفُن الصمود لأطفال غزة، لكنه لن يتمكن من أن يمسح عن جبينه العار التاريخي، ويكشف عن ملامحه الحقيقية لأحرار هذا العالم، فشكرًا أًمامة اللواتية على الدرس الذي قدمتِه، وعودًا كريمًا إلى عُمان إلى أحضان وطنك الذي لن يدَّخر جهدا لأجل مساعدتك على العودة الظافرة في أحضان أهلك وعيالك.

سيظل اسمك محفورًا في ذاكرة الأحرار رمزًا للشجاعة والتضحية وصوتًا يفضح الظلم ويُعيد للإنسانية شيئًا من معناها الحقيقي.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة