د. علي بن حمدان البلوشي **
يشكل الاعتماد الأكاديمي في مؤسسات التعليم العالي ركيزة أساسية للارتقاء بجودة التعليم وضمان توافقه مع المعايير العالمية. ويأتي الاعتماد بنوعيه؛ المؤسسي الذي يقيّم المؤسسة التعليمية ككل من حيث الرؤية والرسالة والإدارة والبنية الأساسية، والبرامجي الذي يركز على جودة البرامج الأكاديمية وتوافقها مع متطلبات سوق العمل. وتكمن أهمية هذين النوعين من الاعتماد في كونهما وسيلة لتعزيز ثقة المجتمع بمخرجات التعليم وضمان توفير خدمات ذات جودة عالية وخلق بيئة تعليمية جاذبة للطلبة وأعضاء هيئة التدريس.
وفي سلطنة عمان، تضطلع الهيئة العمانية للاعتماد الأكاديمي وضمان جودة التعليم بدور ريادي في وضع الأطر والمعايير التي تكفل جودة التعليم، حيث تقوم بإجراء المراجعات المؤسسية والبرامجية وتقديم التوصيات التي تساعد المؤسسات على تحسين أدائها وتجويد مخرجاتها. وتعتمد الهيئة في تقييمها على مجموعة من المعايير التي تشمل وضوح الرؤية والرسالة، كفاءة القيادة والإدارة، جودة التدريس والتعلم، البحث العلمي، الحوكمة، دعم الطلبة، والارتباط بسوق العمل، إضافة إلى التزام المؤسسة بثقافة التحسين المستمر. أما على مستوى البرامج الأكاديمية، فيتم التركيز على تصميم المناهج، وضوح مخرجات التعلم، أساليب التقييم، توافق البرامج مع الإطار الوطني للمؤهلات، وتوفير بيئة أكاديمية محفزة للتعلم والتطبيق العملي.
ورغم أهمية الاعتماد الأكاديمي، تواجه مؤسسات التعليم العالي عدداً من التحديات التي قد تؤثر على جودة أدائها المؤسسي والبرامجي، من أبرزها محدودية الموارد المالية والبشرية، وصعوبة مواكبة التطورات التقنية المتسارعة، وضعف الارتباط بين البرامج الأكاديمية واحتياجات سوق العمل، إضافة إلى تفاوت مستوى البنية الأساسية والدعم الأكاديمي بين المؤسسات. وتستطيع المؤسسات مواجهة هذه التحديات عبر تعزيز الشراكات مع القطاعين العام والخاص لدعم برامجها وتطويرها، والاستثمار في تأهيل الكادر الأكاديمي والإداري، وإدماج التحول الرقمي والتقنيات الحديثة في منظومة التعليم، إلى جانب تطوير أنظمة جودة داخلية فاعلة وتبني ثقافة التحسين المستمر كقيمة أصيلة في العمل الأكاديمي والإداري.
إن تجويد العمل المؤسسي وتطوير البرامج الأكاديمية لم يعد خياراً أمام مؤسسات التعليم العالي، بل أصبح ضرورة حتمية في ظل التنافسية العالمية والتطورات التقنية والإدارية المتسارعة. فالاعتماد المؤسسي والبرامجي ليس مجرد عملية تقييم، بل يمثل أداة استراتيجية لضمان جودة التعليم، وتقديم مخرجات قادرة على تلبية تطلعات الطلبة واحتياجات المجتمع، والإسهام في بناء اقتصاد معرفي قائم على الكفاءات والابتكار. ومن هنا فإن مؤسسات التعليم العالي مطالبة بمواصلة تطوير أدائها والالتزام بأعلى معايير الجودة لتكون قادرة على المنافسة والتميز في المستقبل.
** أستاذ مساعد بالكلية الحديثة للتجارة والعلوم