صون المال العام يبدأ بالوعي

 

 

عباس المسكري

 

في المجتمعات التي تسعى إلى ترسيخ قيم العدالة والتنمية، يُعد المال العام من أهم الركائز التي تقوم عليها المشاريع والخدمات، وهو حق مشترك لكل فرد، وأمانة في أعناق من أوكلت إليهم مسؤولية إدارته وتوجيهه، ومن هذا المنطلق، فإنَّ الحفاظ عليه واجب ديني ووطني وأخلاقي، لا يحتمل التهاون أو التغاضي.

في بعض البيئات العملية، قد تظهر ممارسات غير منضبطة في إدارة الموارد، مثل ضعف ضبط المصروفات أو غياب الدقة في الإجراءات المالية، مما قد يؤدي إلى هدر غير مقصود أو سوء توجيه للميزانيات. وقد يحدث أن تُعتمد مشاريع لدى جهات لا تمتلك الكفاءة المطلوبة، فيتعثر التنفيذ أو تنخفض جودة الإنجاز، دون أن يكون ذلك نتيجة نية سيئة، بل بسبب قصور في التخطيط أو الرقابة.

كما أن بعض البنود المالية تُدرج أحيانًا بصياغات غير دقيقة، ما يجعلها عرضة لتفسيرات متباينة لاحقًا، وقد تُستخدم لتبرير صرفيات لا تُحقق المصلحة العامة بالشكل الأمثل، وفي حالات أخرى، تُعتمد مستندات شكلية دون تحقق فعلي من جدوى ما أُنجز، مما يُضعف من فاعلية المتابعة ويُربك مسار المحاسبة.

ومن الجوانب التي تستحق تنظيمًا أدق ما يُنفذ تحت عناوين رسمية، مثل إقامة مهرجانات تسويقية، والتي قد تُسجل ضمن الإطار البروتوكولي أو الترويجي دون وجود ضوابط دقيقة أو مراجعة شفافة، وقد تُرصد لها ميزانيات خاصة تتجاوز الحاجة الفعلية، ما يستدعي مراجعة منهجية تضمن التوازن بين الهدف والمخصصات.

وفي بعض المواقف، قد يُلاحظ حرص مفرط على عدم تسهيل الإجراءات التي تخدم المواطنين، بحجة الحفاظ على المال العام، بينما تختفي هذه الحجة في حالات أخرى حين تكون الفائدة الشخصية أو الدائرة القريبة هي المستفيدة، وهذا التناقض يُضعف الثقة، ويُبرز الحاجة إلى معايير موحدة تُطبق بعدالة على الجميع.

إنَّ التوعية بأهمية المال العام لا تقتصر على الجهات الرقابية، بل تشمل كل فرد في المجتمع، من الموظف إلى المسؤول، ومن المواطن إلى الإعلامي، فالشعارات التي تُرفع عن النزاهة والشفافية لا تكتسب قيمتها إلا حين تُترجم إلى سلوك عملي، يُراعي المصلحة العامة ويبتعد عن أي منفعة شخصية أو مجاملة غير مبررة.

ومن أبرز التحديات التي قد تُضعف حماية المال العام، ضعف تطبيق القوانين الرادعة، وقصور أنظمة المراجعة، وغياب الشفافية في بعض الإجراءات، كما إن غياب ثقافة التبليغ عن المخالفات، والخوف من تبعات كشفها، قد يُسهم في استمرار بعض التجاوزات دون معالجة.

المعالجة لا تكون بالتغاضي أو المهادنة، بل بتفعيل أدوات الرقابة، وتطبيق القوانين بعدالة، وربط الإجراءات المالية بأنظمة إلكترونية شفافة تُسهم في تقليص فرص الخطأ أو التلاعب. كما أن الإعلان عن المخالفات وفق الأطر القانونية، يُعد وسيلة ردع ووقاية، لا تهدف إلى التشهير، بل إلى تعزيز الثقة في المؤسسات وحماية المال العام.

ولا بُد من التأكيد أنَّ هذه التحديات لا ترتبط بقطاع مُعين؛ بل قد تظهر في مختلف المستويات، من المشتريات الحكومية إلى المشاريع الكبرى، ما يستدعي رؤية شاملة تبدأ من ترسيخ قيم النزاهة، وتفعيل الرقابة، وتعزيز الشفافية كمنهج دائم.

إنَّ حماية المال العام مسؤولية جماعية، تتطلب يقظة دائمة، وتعاونًا بين الجهات الرقابية والمجتمع، لضمان أن تُصرف الموارد في ما يخدم الوطن والمواطن، ويُحقق التنمية المستدامة، ويُصون الحقوق للأجيال القادمة.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة