د. عبدالله بن سليمان المفرجي
أ تحسب أنَّ الليل دائمٌ؟ كلا! فإن الفجر آت لا محالة، وسينكشف ما أخفاه الظلام. إن الجمرة التي تظنها خامدة تحت الرماد، ستهب نارًا يومًا فتحرق الأصابع التي أخفتها.
وما أغبى من يقف سدًا في وجه النهر الجاري! فإنَّ الماء إذا حبس انفجر، والنفس إذا قيدت ثارت.
ومن النَّاس من لا يحمل سيفًا ولا يطعن برمح، لكنه يقتل بالإهمال، ويجرح بالتحقير، ويخنق الأحلام في مهدها. فأي موت أقسى: موت الجسد أم موت الأمل؟ إن الرصاصة تقتل جسدًا واحدًا، لكن قتل الطموح يقتل أجيالًا.
وفي سجل الأمم عبر كثيرة، تروي أن السقوط لم يأت من سيوف الأعداء، بل من خيانة الداخل. من أياد محلية طمست مواهب أبنائها، فصاروا أحياء بلا أرواح، وسجناء في أقبية الصمت.
ألم تروا إلى الشجرة إذا حرمت الماء كيف تذبل؟ وإذا حجبت عنها الشمس كيف تصفر؟ كذلك العقول إذا منعت المعرفة ضمرت، والأرواح إذا حرمت الأمل ماتت.
عجيب أمر الدنيا! من طمس نور غيره عاش في الظلام، ومن سد أنهار النَّاس عطش، ومن قيد العقول خنق نفسه بحبال الجهل.
فأي مجد يبنيه من يدوس كرامة البشر؟ وأي عرش يشيد لمن يسكن بيوتًا من أشلاء المظلومين؟
إنَّ للتاريخ لسانًا ناطقًا لا ينطق إلا بالحق، يروي أن البغي زلة القدم، وأن العدل وإن غاب برهة فإنه كالشمس من وراء السحاب.
فاحذروا دعوات المظلومين، فإنِّها سهام لا تخطئ هدفها، تخترق الجدران، وتصل إلى السماء. ورب لحظة يظن فيها الظالم أنَّه آمن، فإذا القدر يلفه بما كسبت يداه.
أيها المغرور عن نداء الضمير، أما تعلم أن للأرض أذنًا تسمع، وللسماء عينًا ترى؟ ستُحاسب على النظرة التي سرقتها، وعلى الكلمة التي خنقتها، وعلى الفكرة التي قتلها.
فاستيقظ قبل فوات الأوان، ونظف قلبك قبل أن يحين الرحيل. واعلم أن ما تزرعه في حياة الآخرين تحصده في دنياك قبل أخراك.
فمن ظلم إنسانًا فقد ظلم نفسه، ومن أطفأ شمعة غيره عاش في الظلام، ومن سلب حقًا ضاع حقه.
والظلم مرتعه وخيم، وبائقه عظيم، وعاقبته سيئة إلى الأبد. وإن العدل أساس الملك، وبه قوام السماوات والأرض.
فيا أيُّها الإنسان، لا تغتر بقوة اليوم، ولا بصولجان المنصب وعلو المكانة، وكثرت المال والولد، فإنَّ الزمن دولاب دوار، والدهر لا يبقى على حال.
فيد الله مع الجماعة، وأن القلوب بيده يقلبها كيف يشاء. فمن اتقى الله وقاه، ومن توكل عليه كفاه.
وقد أفلح من جعل العدل شعاره، وخاب من اتخذ الظلم دثاره. وعند الله تجتمع الخصوم، وقد خاب من حمل ظلمًا.