د. عبدالعزيز بن محمد الصوافي **
يستنزف الإنسان المعاصر جزءًا كبيرًا من طاقته النفسية في معارك افتراضية وهمية على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، معتقدًا أنَّه بذلك ينصر وطنه أو يدافع عن قضية نبيلة. غير أن الواقع يكشف أن كثيرًا من هذه النقاشات تنزلق سريعًا نحو الشخصنة، فيتحول الحوار إلى اتهامات وتخوين وتكذيب، بدل من أن يكون ساحة لتبادل الرأي وتعزيز الوعي.
ومع مرور الوقت، تتراكم الجراح بين أبناء الأمة الواحدة والشعب الواحد، حيث تتصاعد سهام الكراهية والتفرقة والبغضاء والتعالي، لتترك أثرها العميق في جسد المجتمع ووحدته.
إن ما نشهده اليوم من تيارات جارفة في عالم الفضاء الإلكتروني يهدد القيم النبيلة التي ورثناها، ويحول النقاش إلى ساحة خصام تُغذّيها سموم الخلافات والانزلاق نحو فخاخ التكفير والتخوين والإقصاء. ومن هنا تبرز الحاجة الماسة إلى وقفة وعيٍ ومسؤولية، تعيد للحوار روحه، وللاختلاف قيمته، وللمجتمع تماسكه.
وفي مرحلة معينة، تظل الحاجة قائمة إلى إنفاذ صوت القانون الذي يُجرّم مثل هذه الممارسات الدخيلة، ويضع حدًا لأولئك الذين يتوهمون أن اختباءهم خلف أسماء مستعارة سيعفيهم من المسؤولية القانونية والأخلاقية عن آرائهم المتطرفة وأفكارهم الهدامة وأساليبهم الوضيعة التي لا تحترم رأيًا ولا تقدّر قيم المجتمع وثقافته.
** باحث أكاديمي