ولاية المصنعة.. الإرث الخالد وجمال الطبيعة

 

 

خليفة الحسني

 

تُعد ولاية المصنعة إحدى ولايات مُحافظة جنوب الباطنة المُهمة، لما تتمتع به من موقع جغرافي مميز وإطلالة ساحرة على بحر عُمان، حيث تقع ضمن الشريط الساحلي الطويل الذي يزخر بجمال الطبيعة وأصالة الطابع العُماني العريق. تغطي الرمال الناعمة قرى الولاية الساحلية، ويُمارس مُعظم سكانها مهنة الصيد التي توارثوها أبًا عن جد، وقد شهدت هذه المهنة تطورًا ملحوظًا في عهد النهضة المباركة، بفضل الدعم المقدم من بنك التنمية العُماني عبر القروض الميسرة لشراء قوارب الصيد الحديثة ومستلزماتها.

ساهم وجود فرع للبنك في الولاية لسنوات عديدة قبل نقله إلى ولاية بركاء (السوادي) في دعم أبناء الولاية وتشجيعهم على الاستمرار في هذه المهنة الحيوية. كما إن موقع المصنعة المتوسط بين العاصمة مسقط وولاية صحار، ومرور الشارع العام عبرها، ساعد في تسهيل التنقلات وتنشيط الحركة التجارية، خاصة لقربها من عدة ولايات مجاورة.

وتشتهر المصنعة بالعديد من الحرف والمهن التقليدية التي يجسدها تاريخها التليد، لا سيما في مجالات الصناعة والزراعة وتربية الماشية والإبل. ومن أبرز الصناعات التقليدية فيها: صناعة الأبواب المزخرفة بالنحاس والخشب، وصناعة مراكب "الشاش" المصنوعة من شجر النخيل، والتي تحمل قصصًا جميلة من الماضي، بالإضافة إلى صناعة الفضيات مثل الخناجر العُمانية الأصيلة والحُلي النسائية كالخلاخيل وغيرها.

وتُعد المصنعة من الأسواق النشطة للذهب والفضيات في جنوب الباطنة، حيث تنتشر فيها محلات الذهب بشكل ملحوظ، إلى جانب الأسواق الشعبية. كما تشتهر بصناعة "النيلة"، وهي مادة مكونة من عدة ألوان كانت تُستخدم قديمًا في صبغ الملابس.

وتتميز الولاية بوفرة المحاصيل الزراعية، نظرًا لامتلاكها رقعة خضراء واسعة ومياهًا وفيرة، مما يجعلها مصدرًا مهمًا للعديد من الولايات المجاورة. وتُعد شجرة "الأراك" من الأشجار النادرة التي تنبت في المصنعة، وقد اتُخذت شعارًا للولاية.

ومن أبرز الأسواق النشطة في المصنعة: سوق الطريف، الذي يُلبي معظم الاحتياجات اليومية، إلى جانب وجود المولات التجارية والبنوك التي تخدم السكان في تعاملاتهم المالية. وقد حظيت الولاية منذ فجر النهضة المباركة بالعديد من الخدمات والمرافق العامة، مثل الشوارع الداخلية، والإنارة، ومحطات الكهرباء، وشبكات المياه، ومقرات المؤسسات الحكومية، ومعارض السيارات المستوردة بأسعار تنافسية.

وفي منطقة الملدة، توجد منطقة صناعية تحتضن العديد من الورش، ويسكن الولاية عددٌ من القبائل التي تسودها روح التعاون والألفة والأصالة. كما تنشط الفرق الخيرية، وعلى رأسها الفريق الخيري وجمعية المرأة العُمانية، التي تسهم في العديد من الفعاليات والمبادرات الإنسانية.

وتحتضن المصنعة صروحًا علمية مثل مدرسة الإمام الصلت بن مالك، ومدرسة أم حبيبة، ومدرسة الخليل بن أحمد الفراهيدي، وغيرها من المدارس التي خرّجت أجيالًا ساهمت في بناء الوطن، وتقلدت مناصب قيادية في مختلف القطاعات المدنية والعسكرية. كما توجد جامعة التقنية والعلوم بمنطقة الملدة، التي تستقطب طلبة من مختلف ولايات السلطنة، وتقدم تخصصات تلبي احتياجات سوق العمل.

ومن المعالم الحديثة في الولاية: منتجع بارسيلو المصنعة الفندقي المطل على البحر، وقاعدة سعيد بن سلطان البحرية، وقاعدة المصنعة الجوية. كما يُوجد نادي المصنعة الرياضي، أحد الأندية العريقة، وله فرق أهلية تحمل أسماء مناطق الولاية.

وتضم المصنعة نحو 15 معلمًا تاريخيًا من القلاع والحصون والأسوار، ويعبرها وادي العيص، أحد الأودية المهمة المنحدرة من جبال ولاية الرستاق. وتشتهر الولاية بتربية الإبل الأصيلة، ولها مضمار خاص لسباقات الهجن، إلى جانب حلبتين لمصارعة الثيران، وتربية الماشية، مما يجعلها سوقًا مفضلًا للعديد من أبناء الولايات الأخرى، خاصة في تجارة الأبقار.

وتُقام في الولاية فعاليات دينية متنوعة، تشمل تعليم القرآن الكريم والتجويد والصلاة، في الجوامع والمساجد المنتشرة في ربوعها، حرصًا من الأهالي على ترسيخ القيم الدينية في نفوس الأبناء. كما توجد مراكز ترفيهية مثل الحدائق العامة في منطقتي الملدة والشعيبة، المجهزة بالألعاب للأطفال، إضافة إلى المطاعم والمقاهي المتنوعة، والشقق الفندقية، والموروث الشعبي من الفنون التقليدية التي تُشارك بها الولاية في المهرجانات والمناسبات الوطنية.

وقد أولت الحكومة الرشيدة، في عهد حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- اهتمامًا بالغًا بتطوير ولاية المصنعة، لمواكبة النمو السكاني والتطور العمراني والتقني؛ حيث أُنشئت مشاريع تنموية واعدة، وجُددت البنية التحتية، بما في ذلك شبكة الطرق الداخلية.

ولأنَّ لهذه الولاية مكانة خاصة في قلبي، فقد كانت أول محطة لي في مسيرتي المهنية؛ حيث عُينت موظفًا في مطلع الثمانينات بمكتب الإشراف التربوي في منطقة الطريف، قبل أن يُنقل المكتب إلى إدارة التربية في الرستاق. ومن الذكريات الجميلة أيضًا، أنني أسست أول مكتب تجاري لتخليص المعاملات والخدمات التجارية في الولاية، وكان من أوائل المكاتب من نوعه في تلك الفترة.

هذا المقال هو الثالث لي عن ولاية المصنعة، وأعتذر للقارئ الكريم إن وقع أي خطأ غير مقصود أو نقص في المعلومات، فهي اجتهادات شخصية نابعة من حبٍ لهذه الولاية الجميلة، بطبيعتها الخلابة وكرم أهلها.

شكرًا لكل من تابع وأمعن، وشكرًا لكل من ساهم في خدمة عُمان الغالية، وسعى إلى لقمة العيش الحلال، وشكرًا للمخلصين في أعمالهم وواجبهم الوطني. حفظ الله قائد المسيرة، حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، وحفظ الله عُمان وأبناءها الأوفياء، وكل مقيم يُسهم في بنائها وتقدمها.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة