منطق الفعل.. وواقع التخاذل

 

 

 

أحمد الفقيه العجيلي

 

 

قرأت أبياتًا للشاعر الجاهلي والإسلامي عمرو بن معدي كرب الزبيدي، ذاك الفارس الذي عُرف بقوة سيفه وجرأة لسانه، يقول فيها:

وكنتُ إذا قومٌ غزوني غزوتُهم

فهل أنا في ذا - يالهمدان - ظالمُ؟

فلا صلحَ حتى تقرع الخيل بالقنا

وتُضرَب بالبيض الرقاق الجماجمُ

ولا أمن حتى تغشم الحرب جهرةً

عبيدةَ يومًا، والحروب غواشمُ

هذه الأبيات تكشف منطقًا بسيطًا وواضحًا: الرد بالفعل لا بالقول؛ فالصلح عنده لا يكون قبل رد العدوان، والأمن لا يتحقق إلا بعد أن تُدفع كلفة القوة.

لكن وأنا أتابع القمة العربية الإسلامية الأخيرة في الدوحة، شعرت بمرارة المقارنة بين ما كان عليه فرسان الأمس وما نحن عليه اليوم. فبينما كان الشاعر يرفض أن يبيت على ضيم دون رد، باتت قممنا تكتفي ببيانات مطولة تذوب سريعًا في ضجيج الأخبار. كلمات مرتبة، عبارات رنانة، لكنها لا تغيّر شيئًا في واقع الدم والدمار.

بيان القمة الأخيرة لم يلبِّ نداء الشارع ولا دماء الأبرياء. صحيح أنه تضمّن "إدانة قوية للعدوان" و"تأكيدًا للتضامن مع قطر" و"دعوات لوقف التهجير" و"تمسكًا بحل الدولتين"، لكنّه ظل في دائرة الشجب والوعود الفضفاضة. لم نسمع قرارًا بقطع العلاقات، ولا سحب سفراء، ولا حتى إجراءات اقتصادية أو دبلوماسية قادرة على الضغط. وكأنّنا أعدنا إنتاج النسخة ذاتها من بيانات سابقة لا تسندها أفعال.

إنها مقارنة موجعة، لكنها صادقة، بين فارس يقيس العدل بحد السيف، وزمن نقيس فيه القوة بعدد الأسطر في البيان الختامي.

ولا صلحَ حتى تقرع الخيل بالقنا، يقول عمرو، بينما نحن نستبدل خيولنا بـ"إدانات"، وسيوفنا بـ"دعوات للتهدئة". قمتنا اليوم تطلب من العدو أن "يضبط النفس"، وهو لا يعرف من نفسه إلا التوحش!

لقد تحوّل العجز إلى سياسة، والكرامة إلى بند مؤجل، والسيادة إلى شعار. وما زال الميدان يطالب بردٍّ يوازي حجم الجراح.

ويبقى السؤال الكبير مفتوحًا: هل سنبقى أسرى "لغة المراوغة"، أم سنعيد شيئًا من روح عمرو في مواجهة هذا العلو الكبير؟

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة