دور منظمة شنغهاي في الحوكمة الاقتصادية العالمية

 

 

 

أ.د. دينغ لونغ **

 

منذ تأسيسها في عام 2001، أكدت منظمة شنغهاي للتعاون (SCO) في إعلان التأسيس وميثاقها التأسيسي على دفع النظام السياسي والاقتصادي الدولي نحو اتجاه ديمقراطية وعدالة. في ظل صعود تيار العزلة الأحادية، واستمرار الصراعات الجيوسياسية، وضعف التعافي الاقتصادي العالمي، ظلت المنظمة تلتزم بمواكبة تعددية الأطراف، وتحويل موارد دول الجنوب إلى مقومات التنمية، مما يضفي استقرارًا على العالم المضطرب ويقدم "حلول شنغهاي" للحوكمة العالمية، بحيث أصبح بشكل متزايد عمودًا رئيسيًا في بناء نظام اقتصادي دولي جديد.

دور منظمة شنغهاي في الاقتصاد العالمي

تم إنشاء منظمة شنغهاي للتعاون على أساس "روح شنغهاي" المتمثلة في الثقة المتبادلة والمنفعة المتبادلة والمساواة والمشاورات واحترام التنوع الحضاري والسعي للتنمية المشتركة، وتطورت اليوم إلى أسرة تضم 27 دولة، تغطي أكثر من 65% من مساحة القارة الأوراسية، وتضم نصف سكان العالم تقريبًا، وتشكل ربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وهي منظمة تعاون إقليمية أوسع نطاقًا وأكثر سكانًا وذات أكبر إمكانيات للتنمية. على مدى 24 عامًا، تعمقت آليات التعاون الاقتصادي، ووسعت مجالات التعاون، حيث ارتفعت التجارة والاستثمار بين الدول الأعضاء والدول المراقبة والشركاء في الحوار، وضخت ديناميكية للنمو الاقتصادي، مما عزز مساهمتها في نمو الاقتصاد العالمي، وأضفى الاستقرار على الاقتصاد العالمي الذي يواجه أزمات متعددة.

العمود الفقري لتعاون الجنوب العالمي

إنَّ ازدهار الجنوب العالمي هو أبرز سمات العصر، وتُصبح منظمة شنغهاي للتعاون منصة مُهمة لتعزيز الاستقلال الاستراتيجي لبلدان الجنوب وتعزيز التعاون جنوبي-جنوبي وتحقيق التنمية المستدامة. بصفتها تجمعًا من الأسواق الناشئة والدول النامية، لا تكتفي المنظمة بالبحث عن سبل التعايش المتبادل والتنمية الشاملة والمنفعة المتبادلة بين البلدان بنظم سياسية واجتماعية مختلفة ومستويات تنمية وسمات ثقافية متباينة، بل تعزز أيضًا التعاون والابتكار وتشارك الفرص مع المزيد من الأسواق الناشئة والدول النامية عبر منصة منظمة شنغهاي، لدفع تعاون الجنوب العالمي إلى مستوى أرقى. وفقًا لاستطلاع الرأي في دول شنغهاي، يعترف 70% من المستجيبين بأن المنظمة ساهمت في مسيرة التنمية المستدامة والتحضر في بلدانهم.

تعزيز ترابط المنطقة

تقع معظم الدول الأعضاء والدول المراقبة والشركاء في الحوار في منظمة شنغهاي للتعاون على طول طريق الحرير القديم، وفي قلب أوراسيا، وهي منطقة ذات أهمية استراتيجية. وانضمت الدول الأعضاء إلى مبادرة الحزام والطريق، وتسعى إلى تعزيز التنسيق بين مبادرة الحزام والطريق، واتحاد أوراسيا الاقتصادي، واستراتيجيات التنمية للدول الأعضاء، ووسعت شبكات الترابط ثلاثية الأبعاد، وحققت العديد من المشاريع البارزة عالية الجودة التي سدت الفجوة في التجارة الخارجية لبعض البلدان، وكسرت العوائق أمام التكامل الاقتصادي الإقليمي، مما وفر منصة جيدة للتبادل التجاري والاقتصادي المريح والفعال في أوراسيا.

إنجازات منظمة شنغهاي للفوز المشترك

على مدى 24 عامًا، شهد حجم التبادل التجاري نموًا مطردًا وتم الاختراق العميق في مجالات التعاون، لقد حققت دول منظمة شنغهاي للتعاون ثمارًا وافرة عن طريق التعاون الثنائي ومتعدد الأطراف، حيث تتبع "روح شنغهاي"، والاستفادة من المنفعة الجيوسراتيجية، والتسمك بمفتاح التكامل المتبادل، والعمل معًا لتحقيق نتائج ملموسة.

ترابط ثلاثي الأبعاد

بريًا، تجاوز قطار يربط أوروبا والصين إجمالي 110 آلاف رحلة بحلول يونيو 2025؛ حيث بلغ عدد الرحلات عبر منطقة شنغهاي 19 ألف رحلة في عام 2024، بزيادة 10.7% عن العام السابق. بلغت حركة الشحن في ممر الصين - كازاخستان 15 مليون طن سنويًا، وهو ثلاث مرات أكثر من وقت افتتاحه، مما قلص وقت الشحن من آسيا الوسطى إلى الصين إلى النصف. بحريا، وتمكّن ممر متعدد الوسائط الصيني-الكيرغيزي-الأوزبكي من زيادة طاقة الشحن بين الصين وآسيا الوسطى، وارتفعت حركة الشحن في الممر الدولي عبر بحر قزوين. جويا، كما زادت الرحلات الجوية المباشرة بين الدول الأعضاء إلى أكثر من 130 خطًا، يربط المدن الصينية وعواصم خمس دول في آسيا الوسطى. مع تعزيز الترابط، دخلت التجارة بين الدول الأعضاء في "مسار سريع".

وفي عام 2024، بلغ حجم التجارة بين الصين والدول الأعضاء 512.4 مليار دولار، بينما بلغ إجمالي التجارة بما في ذلك الدول المراقبة والشركاء في الحوار 890 مليار دولار، مما يمثل 14.4% من إجمالي التجارة الخارجية للصين، وهو مستوى تاريخي.

التعاون الطاقوي كامل السلسلة

تضم دول شنغهاي في نفس الوقت منتجي الطاقة ومستهلكيها، حيث تتكامل في المنظمة بين العرض والطلب، وتغطي سلسلة الاستكشاف-الإنتاج-النقل-التصنيع. في مجال النفط، بلغت قدرة حقب كاشاكان المطورة بشكل مشترك بين الصين وكازاخستان 18 مليون طن سنويًا، ويتم ضخ 2 مليون برميل يوميًا عبر خطوط أنابيب النفط الصينية-الكازخستان، ويبلغ حجم نقل خطوط أنابيب الغاز الشرقية الروسية 38 مليار متر مكعب سنويًا، وسيتم زيادتها إلى 44 مليار متر مكعب في المستقبل. في قمة تايجين للمنظمة، اقترحت الصين إنشاء منصة تعاون للطاقة، مما جعل تعاون منظمة شنغهاي في مجال الطاقة ينمو تدريجيًا إلى تعاون مؤسسي يتمتع بإطار واضح، وآليات ثابتة، وتوجيهات سياسية.

التنمية الخضراء

تتوافق منظمة شنغهاي للتعاون مع الاتجاه العالمي للتنمية الخضراء، وتدمج مفهوم التنمية الخضراء في مجالات الطاقة والبنية التحتية والزراعة. بمساعدة الصين، تبنت قيرغيزستان بنشاط تكنولوجيا الري المقتصد للمياه، مما رفع مستويات الزراعة المحلية تدريجيًا. أصبح مشروع 1 جيجاوات للطاقة الشمسية في أوزبكستان ومشروع 100 ميغاواط للطاقة الري في زانا تاس، كازاخستان، نماذج بارزة للتعاون في الطاقة الجديدة بين دول شنغهاي. في هذه القمة في تيانجين، اقترحت الصين تنفيذ مشاريع إضافية "آلاف الميجاوات من الطاقة الشمسية" و"آلاف الميجاوات من طاقة الري" مع دول شنغهاي الأخرى في غضون 5 سنوات، مما سيعزز التقدم التنسيقي في مسار التنمية المستدامة بين الدول الأعضاء.

في مجال التكنولوجيا المتقدمة، ربطت مبادرة الحزام والطريق الرقمية دول منظمة شنغهاي للتعاون، حيث تعتمد على إمكانيات الأسواق الرقمية للدول الأعضاء ومزايا التكامل المتبادل، فاق حجم مبيعات التجزئة عبر الإنترنت في دول الأعضاء في عام 2024 عن 3.2 تريليون دولار. في المناطق الصناعية المصرية، يقدم تطبيق نظام "بيدو" لتحديد المواقع والبنية التحتية الرقمية خدمات رقمية متميزة للمؤسسات، في مدرسة لوبان بكازاخستان، شملت الدورات التدريبية في مجال التكنولوجيا الرقمية مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، البيانات الضخمة، الحوسبة السحابية وغيرها. في أوزبكستان، حقق المعمل المشترك الصيني الأوزبكي اختراقات تقنية متعددة في مجالات الذكاء الاصطناعي والأدوية البيولوجية. وشاركت الصين في استثمار مشاريع مثل الكابلات العابرة للحدود بين قيرغيزستان وأوزبكستان، مما وضع الأساس للتكامل التعاوني بين الصناعات الرقمية الإقليمية. لم تكن إنجازات التعاون في مجال العلوم والتكنولوجيا في منظمة شنغهاي للتعاون مفيدة فقط لتحسين معيشة الشعوب المحلية، بل ساهمت بشكل قوي في تحقيق تطورات جديدة في المجالات التقليدية.

مساهمة منظمة شنغهاي في صون النظام التجاري العالمي

أشار الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى أنه بالتأكيد سينجز التنظيم شنغهاي للتعاون إنجازات أكبر ويحقق تطورات أكبر. في المستقبل، مع تحسين آليات مثل بنك التنمية شنغهاي للتعاون، ستوسع وستعمق التعاون الاقتصادي والمالي للتنظيم شنغهاي للتعاون ليس فقط لتحقيق فرص جديدة للتنمية الاقتصادية لدول الأعضاء والمنطقة، بل سينبعث أيضًا طاقة إيجابية مؤكدة في اقتصاد العالم الذي يمتلئ بالعدم اليقين، وسيساهم في بناء نظام تجاري عالمي أكثر عدالة ومساواة وشمولية، وسيقدم مساهمات أكبر للتنمية المشتركة العالمية.

تمتلك منظمة شنغهاي للتعاون إمكانيات هائلة في التنمية الاقتصادية، وسينمو لتصبح محركًا رئيسيًا للنمو الاقتصادي العالمي. أولاً، يغطي التنظيم شنغهاي للتعاون ما يقرب من نصف سكان العالم، حيث تتمتع الدول الأعضاء بطاقة وموارد، وأسواق كبيرة، وديناميات قوية، وبنية تحتية متكاملة، وسوف تزداد نسبة مساهمتها في النمو الاقتصادي العالمي. في الوقت نفسه، تظل أبواب المنظمة مفتوحة، وسوف تجذب المزيد من الدول للانضمام إليه. ثانياً، تتمتع الدول الأعضاء بمرونة كبيرة بين هياكلها الصناعية، وتزداد الروابط الاقتصادية بينها، وتسريع تأثيرات التكتلات الصناعية، كما يوجد العديد من اتفاقيات تسهيل التجارة والاستثمار، وسوف تستمر عمليات التعاون التجاري لتعكس زخمًا قويًا للتنمية. ثالثاً، سوف تصبح المجالات الناشئة المزدهرة نقاط نمو اقتصادية جديدة للمنظمة. في قمة تيانجين، اقترحت الصين إنشاء ثلاث منصات تعاون في مجال الطاقة، والصناعات الخضراء، والاقتصاد الرقمي، وثلاث مراكز تعاون في مجال العلوم والتكنولوجيا، والتعليم العالي، والتعليم المهني، كما أبدت رغبتها في بناء مركزًا تعاونيًا لتطبيقات الذكاء الاصطناعي لتحرير إمكانات المنظمة بشكل أكبر. وسيسهم إنشاء هذه الآليات في تعميق التعاون بين الدول الأعضاء في مجالات التحول في الطاقة، والاقتصاد منخفض الكربون، والاقتصاد الرقمي، والذكاء الاصطناعي، الأمر الذي سيساهم في انتعاش الاقتصاد الإقليمي.

وستقدم منظمة شنغهاي للتعاون نموذجًا جديدًا للتعاون الاقتصادي والمالي العالمي. في الوقت الحالي، واجهت العولمة تيارًا معاكسًا، حيث توقفت العديد من التعاونات الاقتصادية والمالية، لكن النموذج المميز للتعاون الاقتصادي والمالي لمنظمة شنغهاي للتعاون يمكن أن يوفر مرجعًا فعالًا للعالم. أولاً، النموذج التعاوني الذي تعزز فيه الأعمدة الثلاثة (الأمن، والثقافة، والاقتصاد). وتساهم منظمة شنغهاي التعاون الاقتصادي بالحفاظ على الأمن الإقليمي، وترسّخت التعاون الاقتصادي عبر التبادلات الثقافية. ثانياً، النموذج المبتكر للتعاون المالي. تمثل منظمة شنغهاي للتعاون في مجال التعاون المالي نموذجًا عمليًا مبتكرًا ومربحًا للطرفين، ويظهر بشكل بارز في التقدم الفعّال في التسويات المحلية والتعاون الإقليمي التمويلي، مما قدم طريقًا فعالًا لتعزيز النظام المالي العالمي. بينما قررت الدول في قمة تيانجين إنشاء بنك التنمية لمنظمة شنغهاي للتعاون، مما يشير إلى دخول التعاون المالي للمنظمة مرحلة التعميق، وسوف يوفر خيارات تمويلية متنوعة لدول الأعضاء وبلدان الجنوب العالمي، وسوف تدفع النظام المالي العالمي باتجاه أكثر عدالة ومساواة وتمثيلية.

ستضع مبادئ شنغهاي للتعاون حجرًا أساسيًا جديدًا للنظام الاقتصادي الدولي، تقدم منظمة شنغهاي دعمًا مهمًا لبناء نظام اقتصادي دولي أكثر إنصافًا وشمولية. ومن أجل الدفاع عن نظام التجارة متعدد الأطراف والحوكمة العالمية التي تواجه تحديات خطيرة، أصدرت قمة تيانجين إعلانًا خاصًا يدعم نظام التجارة متعدد الأطراف، مما أظهر موقفها وحكمتها في الحفاظ على نظام التجارة متعدد الأطراف القائم على القواعد، حيث قدم الرئيس الصيني شي جين بين مبادئ توجيهية للحوكمة العالمية تدعو إلى تعزيز التعاون العالمي، والدفاع عن العدالة الدولية. في المستقبل، سوف تعمل منظمة شنغهاي للتعاون مع كيانات الجنوب العالمي لتعميق آليات التعاون متعدد الأطراف، والحفاظ على النظام التجاري الدولي، ودفع إصلاح المؤسسات المالية الدولية، ليصبح قوة محورية ودعامة لبناء نظام الحوكمة العالمية أكثر شمولية وتوافقيًا.

** أستاذ بمعهد الدراسات الشرق أوسطية في جامعة شنغهاي للدراسات الدولية، جمهورية الصين الشعبية

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة