أحمد بن محمد العامري
ahmedalameri@live.com
في خضم الأحداث المتسارعة التي يشهدها العالم، يتكرر مشهد انعقاد مجلس الأمن الدولي لمناقشة الأعتدا على قطر وجرائم الاحتلال الإسرائيلي وما يترتب عليها من تهديدات خطيرة للأمن والسلم الدوليين، ورغم خطورة الموقف وتداعياته الإنسانية والسياسية، فإن هذه الجلسات لا تتجاوز في معظم الأحيان حدود النقاشات الشكلية وإصدار بيانات التنديد والاستنكار دون أن تقترن بإجراءات عملية أو قرارات ملزمة تضع حداً لانتهاكات متواصلة طالت شعوباً بأكملها وعلى اقل تقدير، تعليق عضويتها.
إن هذا العجز المزمن بات يطرح تساؤلات جادة حول جدوى المؤسسة الأممية وقدرتها على القيام بالمهام التي أُنشئت من أجلها.
لقد جسّد ممثل الكيان الصهيوني في هذه الجلسة بالمجلس صورة فجة من الغطرسة السياسية والاستهتار بالقوانين الدولية، حين أطلق تهديدات مباشرة تجاه دولة قطر وعدد من دول العالم، متوعداً باستباحة سيادتها إذا ما وقفت ضد سياسات بلاده العدوانية.
لم يكن ذلك مجرد تصريح عابر بل إشارة واضحة إلى أن هذا الكيان لم يعد يرى في النظام الدولي سلطة قادرة على محاسبته أو حتى تقييد ممارساته. ومثل هذا السلوك لا يُعدّ تحدياً لقرارات مجلس الأمن وحسب، بل هو اعتداء صريح على مفهوم السيادة الوطنية الذي يُفترض أنه حجر الأساس في العلاقات بين الدول.
المفارقة أن الكيان الإسرائيلي الذي ما زال يحتل أرض فلسطين ويمارس أبشع أشكال القمع والتطهير بحق الشعب الفلسطيني، يحظى بحماية سياسية ودبلوماسية من قِبَل بعض القوى الكبرى، ما يجعله في مأمن من أي عقوبة أو تدبير رادع. وهذا الغطاء هو ما يمنحه الجرأة على الاستمرار في سياساته التوسعية والعنصرية، بل وعلى تهديد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة دون خشية من عواقب تذكر.
وهنا تتجلى أزمة النظام الدولي بأكملها، حيث تُكبل العدالة بالفيتو وتُفرغ القرارات من مضمونها بفعل حسابات سياسية ضيقة لا تراعي مصالح الشعوب ولا كرامتها.
من الناحية القانونية يُفترض أن يكون مجلس الأمن هو الجهة المسؤولة عن حفظ السلم والأمن الدوليين وأن يملك أدوات حقيقية لفرض قراراته، غير أن الواقع يُظهر عكس ذلك تماماً، حيث تحوّل المجلس إلى ساحة لتبادل الخطابات وغالباً ما تُعطَّل قراراته بفعل تضارب مصالح القوى الكبرى. وبهذا يصبح الضحية، أي الشعوب التي تعاني من الاحتلال والعدوان، عالقاً في دائرة لا تنتهي من التنديد الدولي دون أي أثر ملموس على الأرض.
في ضوء ذلك، فإن التعامل مع الكيان الصهيوني يتطلب تغييراً جذرياً في مقاربة المجتمع الدولي. لم يعد مجدياً الركون إلى طاولة المفاوضات وحدها ولا الاكتفاء بالضغوط الدبلوماسية التي اعتاد هذا الكيان على امتصاصها ثم تجاوزها. إن التجربة التاريخية أثبتت أن هذه الدولة المارقة لا تفهم سوى لغة الردع الصارم، سواء عبر عقوبات اقتصادية حقيقية تطال مؤسساتها وأذرعها المالية، أو عبر موقف عسكري يضع حداً لغطرستها المتواصلة فبدون ذلك ستظل سياسات الاستيطان والتهجير والتطهير العرقي مستمرة، بل وقد تتوسع لتطال دولاً أخرى، كما دلّت عليه التهديدات الأخيرة.
إن خطورة الموقف الراهن لا تقتصر على الشعب الفلسطيني أو على المنطقة فحسب، بل تمسّ الأمن والسلم العالميين برمّتهما، فحين تَتجرأ دولة على تهديد سيادة دول مستقلة علناً وتستعرض قوتها العسكرية في وجه العالم، فإن ذلك يُعدّ سابقة خطيرة إذا لم يتم ردعها. فإما أن يسود القانون الدولي ويُطبّق على الجميع بلا استثناء، وإما أن يتحول النظام العالمي إلى غابة يحكمها منطق القوة وحده، وهو ما سيؤدي عاجلاً أو آجلاً إلى صراعات أوسع نطاقاً تهدد الاستقرار العالمي.
من هنا، فإن على المجتمع الدولي أن يعيد النظر في طريقة تعامله مع الكيان الإسرائيلي. فلا بد من إرادة جماعية حقيقية تتجاوز المصالح الضيقة وتعمل على إعلاء مبادئ العدالة والإنصاف، كما أن الدول العربية والإسلامية مطالبة بالتحرك ضمن أطر إقليمية ودولية لبلورة موقف موحد يضغط على القوى الكبرى ويفرض معادلة جديدة لا تسمح باستمرار هذه الجرائم دون ثمن.
إن التاريخ سيحكم بلا شك على مواقف الدول والمجتمع الدولي في هذه المرحلة الحساسة. فإما أن يُكتب في سجل العدالة أن العالم وقف بوجه الاحتلال والعنصرية والعدوان، وإما أن يُسجّل أنه أدار ظهره للضحايا وتركهم فريسة للبطش والغطرسة. وبين هذين الخيارين، يظل الأمل معقوداً على بروز إرادة حقيقية تعيد للقانون الدولي هيبته، وتضع حداً لواحدة من أطول وأخطر الأزمات التي شهدها العصر الحديث.
أما تنديد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في "بيان صحافي" بالهجوم الذي شُن على العاصمة القطرية الدوحة، دون ذكر الكيان الصهيوني في البيان، مؤشر على أن الغطرسة الصهيونية مستمرة.