عباس المسكري
لا يزال واقعنا العربي، والخليجي على وجه الخصوص، يعكس قصورًا في استيعاب موقعنا الحقيقي على الخارطة السياسية والقومية، فما حدث في العاصمة القطرية الشقيقة لم يكن حادثًا عابرًا يُمكن تبريره بذرائع أمنية أو تفسيره كتصرف منفرد؛ بل هو انتهاك صريح وخطير للسيادة، وتأكيد مؤلم على أنَّ منطقتنا ما زالت ساحة مفتوحة للتجاوزات والرسائل الاستفزازية.
ما حدث في الدوحة ليس معزولًا عن سياق تاريخي طويل من الوقائع التي عرفتها منطقتنا خلال العقود الماضية؛ حيث تكررت الانتهاكات والتجاوزات ضد السيادة العربية دون أن يُقابلها ردع حقيقي؛ الأمر الذي جعلها تتحول إلى مشهد مألوف بدل أن تكون استثناءً يُثير الدهشة أو الصدمة.
غير أنَّ ما يزيد من وطأة هذا المشهد هو ردود أفعالنا التي ما زالت محصورة في حدود بيانات الإدانة والاستنكار، ولقد تحولت هذه البيانات، مع مرور الوقت، إلى روتين مألوف لا يترك أثرًا ولا يغيّر من الواقع شيئًا، فبينما تُنتهك الحرمات وتُستباح السيادات الوطنية، نكتفي بتصريحات إعلامية تفتقد إلى أدوات القوة التي تفرض الاحترام وتحقق الردع.
وفي المُقابل يظل البعد الشعبي مختلفًا عن الرسمي؛ فالشارع العربي كثيرًا ما يستشعر خطورة هذه الاعتداءات أكثر مما تعكسه البيانات الحكومية، لتبقى هناك فجوة متسعة بين وعي الشعوب التي ترى في ما يحدث مساسًا بالكرامة والهوية، وبين الخطاب الرسمي الذي يظل محدود الأثر وحذرًا في تعابيره.
والحقيقة التي لا يُمكن إنكارها أن منطقتنا لا تزال في كثير من الأحيان جزءًا من حسابات القوى الكبرى، أكثر مما هي صاحبة قرار مستقل يُعبّر عن إرادة شعوبها؛ فالسيادة التي نتغنى بها في خطاباتنا الرسمية كثيرًا ما تتآكل أمام الضغوط الخارجية، ومفهوم الاستقلالية في القرار يظل أقرب إلى الشعار منه إلى الممارسة.
أما على صعيد الإمكانات فالمؤسف أن منطقتنا، رغم ما تملكه من موارد اقتصادية هائلة وطاقات بشرية مؤهلة، لم تنجح بعد في تحويل هذه القوة الكامنة إلى نفوذ سياسي يحمي مصالحها ويعزز حضورها العالمي؛ إذ يغيب المشروع الإستراتيجي الجامع وتضيع الطاقات في صراعات جانبية تُضعف الموقف الجماعي وتشتت الجهود.
اليوم كانت قطر هي المستهدفة، وغدًا قد يكون الدور على غيرها، ما لم نطرح على أنفسنا السؤال الجوهري من نحن؟ هل نحن مجرد متلقين للأحداث نكتفي بردود أفعال متأخرة، أم أننا قادرون على أن نصبح طرفًا فاعلًا يُحدد مساره بإرادته الحرة ويصوغ سياساته بما يتناسب مع مكانته وإمكاناته؟
إنَّ الإجابة عن هذا السؤال ليست سهلة، لكنها ضرورة ملحّة، فإمَّا أن نستمر في موقع المتفرج الذي لا يملك سوى بيانات التنديد، أو نعيد بناء أدوات قوتنا بما يُحصِّن أمننا وسيادتنا ويجعلنا شركاء في صياغة المستقبل بدل أن نكون مجرد موضوعات في أجندات الآخرين.