حمد الناصري
لطالما شهدنا وشاركنا في حِوارات واسعة ومحدودة في الفضاء المفتوح وفي القاعات المُغلقة ولمسنا وتعلّمنا من بعض عمالقة الحوار أسس الحوار الحقيقي المُؤثر والبعيد عن التحيّز أو الاستفزاز.
وستستمر النقاشات وتتواصل الحوارات بلا نهاية، إلا إذا كان الحوار عبارة عن جدل بيزنطي لا طائل من ورائه، تختل الأفكار وتكون بلا روح فيها ولا هدف وقد لا يُفهم منها إلا الأصوات العالية وقد يتحوّل إلى أخذ وردّ حامي الوطيس ليس فيه أيّ مُقومات النقاش، وذلك ما نُسميه الخِلاف.
وقد أوصى ربّنا سبحانه وتعالى سيّد خلقه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم باتّباع الحِكمة والموعظة الحسنة في الدعوة والتعامل مع الناس فقال سبحانه وتعالى "ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُو أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُو أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ".
والخِلاف المُعلن أو المُبطّن بلا جدوى قد يصل إلى القطيعة والعداوة إذا ما تطوّر وسمحنا له بالتغوّل وقد يُؤثر حتى على العلاقات الأخوية، خاصة إذا وصل إلى مرحلة التنابز بالألقاب وانتقاد الأشخاص وليس انتقاد السلوك.
وإذا أردنا الدخول في حِوار حقيقي بلا دوافع عُدوانية أو تقصّد لشخص مُعيّن فعلينا أولًا أن نعرف حدود الحوار وحدودنا نحن اجتماعيًا وثقافيًا.. لأننا قد نخسر الكثير من الأصدقاء ومن الناس الذين لا نعرفهم أيضًا بسبب فشلنا في المشاركة في الحوار بطريقة حضارية ورصينة والتمادي في نقاشات عقيمة أوفي حصيلة أفكار جدلية.. وعلى الأريب الحكيم أن يتجنّب مثل تلك المحصلة.
ولا أخفي سِرًا أني قد وجدّت في شخصية الأستاذ حاتم بن حمد الطائي القُدرة على إدارة حوار واعٍٍٍ وبلغة نقيّة خالصة كشفت لي عن عُمق ثقافة وحِكمة الرجل وبلا مُواربة أو تملّق- لا سمح الله- علماً أنني شهدت العشرات من الحوارات وبحضور مختلف الشخصيات العربية والأجنبية وقد استفدت كثيرًا منها وأخذت الكثير من شُخوصها، قوة العلاقة مع الذات؛ فالمُحاوِر الناجح برأيي يمتلك قوة حضور تتميّز باللباقة وفن التعامل مع المُختلف معه والاعتراف بأحقية المحاور فيما يختلف فيه وتقبّل الرأي الآخر وتكون لديه صِفات أساسية كالإصغاء وقوة نضج الوعي والحكمة والهدوء والتفكير العميق في استيعاب الآخر والتعامل معه بلا تجريح أو استخفاف، وذلك لغرض استمرارية التواصل وأيضًا يتميّز المُحاور الناجح بسهولة التعرّف على شخصية الآخر والتواصل السلس، يُعبّر بطريقته وأسلوبه وبحسّ أخوي فكاهي، يتفاعل مع مرحلة الانطباع بعيداً عن الشخصنة، ممّا يجعل شخصيته وأسلوبه مُؤثرين في الآخر.
الخلاصة.. بكل تأكيد كل الحوارات قد تشُوبها اختلافات وهنا يأتي دور المُحاور الناجح المُتمكّن الذي كلما رأى أنّ الحوار ينحرف عن مساره، تمكّن من إعادة الحِوار إلى مساره الصحيح بأسلوب حكيم للوصول إلى تفاهم بنّاء وحوار سليم يقود إلى خيط من خيوط الحقيقة.
هكذا تكون حواراتنا دائمًا هادفة بنقاش رفيع وباحترام مُتبادل وجدال صحي وحوار سلس جميل.. عندها تكون النتائج بناءة ومُفيدة حتى وإنْ اختلفنا؛ فالاختلاف لا يُفسد للود قضيّة.