التحول الرقمي وإدارة الموارد البشرية في المؤسسات

 

 

 

د. علي بن حمدان بن محمد البلوشي **

 

يشهد العالم اليوم ثورة رقمية متسارعة غيَّرت شكل الأعمال والإدارة في مختلف القطاعات. لم يعد التحول الرقمي مجرد خيار إضافي؛ بل أصبح ضرورة تمليها متطلبات التطوير والتنافسية. ويعني التحول الرقمي باختصار إدماج التقنيات الحديثة في منظومة العمل المؤسسي، بما يضمن السرعة والدقة والشفافية في إنجاز المهام. ومن بين أهم المجالات التي لمسها هذا التحول مجال إدارة الموارد البشرية؛ إذ بات بالإمكان إدارة بيانات الموظفين إلكترونيًا، وتطبيق أنظمة توظيف ذكية، وتنظيم برامج تدريب افتراضي؛ الأمر الذي أحدث نقلة نوعية في أسلوب التعامل مع العنصر البشري داخل المؤسسات.

نجاح هذا التحول لا يتحقق بمجرد إدخال أجهزة وأنظمة رقمية، بل يتطلب دورًا محوريًا من القيادات المؤسسية التي تتحمل مسؤولية صياغة رؤية واضحة للتحول الرقمي، وربطها بخطط التطوير طويلة الأمد. كما إن القيادات الناجحة هي التي توفر التدريب والدعم اللازم للموظفين كي يتأقلموا مع التغيير، وتغرس في الوقت نفسه ثقافة الابتكار والانفتاح على الأدوات الحديثة، مما يجعل الموظفين أكثر استعدادًا للتفاعل مع الأنظمة الجديدة بدلًا من مقاومتها.

ومن أجل تطبيق عملي ناجح، تعتمد المؤسسات على مجموعة من الأدوات الرقمية التي أثبتت فعاليتها، مثل أنظمة إدارة الموارد البشرية الإلكترونية التي تختصر الكثير من الوقت والجهد، ومنصات التوظيف عبر الإنترنت التي تتيح استقطاب أفضل الكفاءات، إلى جانب أنظمة تقييم الأداء المبنية على التحليلات الذكية، ومنصات التدريب الإلكتروني التي تدعم التطوير المهني للموظفين، إضافة إلى الحوسبة السحابية التي توفر مرونة وسهولة في تخزين البيانات والوصول إليها من أي مكان.

لكن الطريق نحو التحول الرقمي ليس سهلًا دائمًا. فالكثير من المؤسسات تواجه تحديات حقيقية، أبرزها مقاومة التغيير من بعض الموظفين، أو ضعف مهاراتهم الرقمية، ناهيك عن التكاليف العالية لتطبيق الأنظمة الحديثة ومخاطر الأمن السيبراني، فضلًا عن قصور البنية التحتية التقنية في بعض المؤسسات. ومع ذلك، يمكن التغلب على هذه التحديات عبر حلول عملية مثل تكثيف البرامج التدريبية، وبناء ثقافة مؤسسية تتقبل التغيير، والاستعانة بشركات متخصصة لتقليل التكلفة، إلى جانب الاستثمار في الأمن السيبراني، واعتماد أسلوب التدرج في التنفيذ.

وقد أثبتت العديد من التجارب حول العالم أن الاستثمار في التحول الرقمي ينعكس بشكل مباشر على كفاءة إدارة الموارد البشرية. وعلى سبيل المثال، طبَّقت شركات عالمية كبرى مثل مايكروسوفت أنظمة ذكاء اصطناعي لتحليل أداء الموظفين ورفع الإنتاجية. وفي المنطقة، اعتمدت جهات حكومية في الإمارات نظام "الملف الوظيفي الذكي" الذي أتاح متابعة كافة شؤون الموظف بشكل رقمي متكامل.

أما في سلطنة عُمان، فقد حققت مؤسسات عدة خطوات مهمة في هذا المجال؛ من أبرزها وزارة العمل التي أطلقت نظام التوظيف الإلكتروني لتمكين الباحثين عن عمل من التقديم والمتابعة بسهولة وشفافية، كما تبنَّى بنك مسقط أنظمة رقمية لتطوير الأداء الوظيفي، بينما وظَّفت هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، منصات تدريب رقمية لتعزيز مهارات رواد الأعمال.

هذه النماذج الناجحة تعكس حقيقة واضحة، وهي أن التحول الرقمي في إدارة الموارد البشرية لم يعد ترفًا؛ بل أصبح أحد أسرار نجاح المؤسسات وقدرتها على التنافس في عالم يتغير بسرعة؛ فالمؤسسات التي تستثمر في هذا التحول لا تحقق فقط إنجازات داخلية مثل تقليص الوقت والتكاليف؛ بل تكسب أيضًا ثقة موظفيها، وتجذب الكفاءات الجديدة، وتضمن استمرارية التطوير؛ بما يتناسب مع متطلبات المستقبل.

 

** أستاذ مساعد بالكلية الحديثة للتجارة والعلوم

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة