ملف المُسرَّحين.. دعوة لتحرك عاجل وحلول واقعية

 

 

 

عباس المسكري

 

ماذا بعد؟ سؤالٌ يحمل بين طياته الكثير من الأجوبة، لكن يا ترى من سيجيبنا عمَّا نحتاج معرفته دونما تلميح أو ضبابية ويزيح عنَّا غمامة الاستجواب الذاتي وجلد الذات التي أرهقت بسبب ما نرى ونسمع من الآلام تغص بها حناجر الكثيرين؟!

في ظل النقاشات الأخيرة التي طُرحت وتداولت حول ملف المُسرَّحين من أعمالهم، برز اتفاق واسع بين مختلف الآراء على أن هذا الملف الإنساني والاجتماعي يتطلب أولوية قصوى وتدخلًا سريعًا وجادًا من كافة الجهات ذات العلاقة، وذلك من أجل إيجاد حلول عملية وشاملة تضع حدًا لمُعاناة هذه الفئة التي وجدت نفسها، في لحظة غير متوقعة، خارج سوق العمل.

ومما لا شك فيه والذي علينا الوقوف عند أولوياته هي معاناة المسرّحين؛ إذ إن هذه المعاناة ليست معاناة فردية، يتألم منها المُسرَّح عن عمله؛ بل هي معاناة أسرة بأكملها تنجم عنها نتائج سلبية، وتُثقل معها كاهل المجتمع قبل إثقال كاهل الحكومة. وينبغي علينا أن ندرك أنها مسؤولية جماعية تستوجب من الجميع- أفرادًا ومؤسسات- الوقوف صفًا واحدًا والعمل بروح من التضامن الوطني والاجتماعي، للأخذ بيد هذه الفئة وانتشالها وأسرها من الضياع الحتمي إن استمر الحال كما هو عليه؛ لذا وجب على المعنيين عدم التغافل وإهمال هذه الفئة حتى تتيسر أمورهم ويجدوا الطريق إلى الاستقرار الوظيفي والمعيشي.

وانطلاقًا من الإحساس العميق بحجم المعاناة التي يعيشها المُسرَّحون من أعمالهم، ومع إدراكنا التام للتبعات الخطيرة التي قد تنجم عن استمرار هذا الوضع دون تدخل، كان لِزامًا ألا نقف موقف المتفرّج أو نكتفي برصد المشكلة دون أن نطرح حلولًا واقعية قابلة للتنفيذ.

ومن هنا، وحرصًا على المساهمة الفعلية في هذا الملف الإنساني والاجتماعي، نضع بين أيدي المعنيين مقترحات لتخفيف معاناة المسرّحين، تمثل خطوات أولى نحو معالجة واقعية وسريعة، خاصةً في ظل التزاماتهم المالية ومسؤولياتهم الأسرية، وفي انتظار حلول أكثر شمولًا واستدامة:

1. إعادة صرف المنافع المالية بشكل فوري ودون تأخير، ولو بحدود تغطي الأساسيات، لضمان استقرار معيشي مؤقت للأسر المتضررة.

2. تجميد أقساط القروض البنكية بشكل فوري ولحين حصول المُسرَّحين على وظائف، دون احتساب فوائد أو غرامات تأخير، وذلك من خلال تعميم يصدر إلى كافة البنوك بالتنسيق مع البنك المركزي.

3. إيقاف الملاحقات القضائية مؤقتًا للمُسرَّحين المرتبطين بالتزامات مالية وقروض، حمايةً لهم من مزيد من الضغوط النفسية والمعيشية.

4. منع فصل خدمات الكهرباء والماء عن منازل المُسرَّحين خلال فترة التعطُّل، عبر توجيه واضح من الجهات المعنية لشركات الخدمات.

5. توفير دعم غذائي مباشر أو كوبونات تموينية تُوزَّع بشكل فوري من خلال مكاتب الولاة بالتعاون مع الجمعيات الأهلية والتجار المحليين.

6. فتح فرص توظيف مؤقتة وسريعة في الجهات الحكومية أو المشاريع التابعة للدولة بنظام العقود المؤقتة أو اليومية، لتوفير دخل مرحلي للمسرّحين.

وإنْ كُنَّا نطرح مقترحات للحلول اليوم، فإن ذلك لا يعني تجاهل الجانب الآخر من الصورة؛ بل على العكس، فإن استمرار هذا الملف دون معالجات سريعة وفعّالة يُنذر بمخاطر كبيرة قد لا تقف عند حدود الأفراد المتضررين فحسب؛ بل قد تمتد آثارها السلبية إلى بنية المجتمع واستقراره الاجتماعي والنفسي وحتى الأمني، فكل يوم يمُر دون تحرّك فعلي هو بمثابة تراكم للأزمات، وتكريس لحالة التهميش التي يشعر بها المُسرَّحون من أعمالهم؛ مما يفتح الباب واسعًا أمام مخاطر استمرار هذا الملف دون حلول عاجلة، وهذه المخاطر تتمثل في:

  1. التشتت الأسري نتيجة الضغوط المعيشية، مما قد يؤدي إلى زيادة حالات الطلاق والانفصال.
  2. الأمراض النفسية مثل الاكتئاب، القلق، الشعور بالعجز، وقد تصل إلى محاولات إيذاء النفس أو الانتحار في بعض الحالات.
  3. التورط في جرائم السرقة أو الاحتيال أو التسوُّل نتيجة الحاجة الشديدة؛ مما يُهدد الاستقرار الأمني.
  4. تأثر الأطفال نفسيًا وتعليميًا بسبب الأوضاع الاقتصادية في أسرهم؛ مما يخلق فجوة تربوية خطيرة.
  5. ضعف الثقة في المؤسسات والشعور بالتهميش؛ مما يؤدي إلى تفشي الإحباط في أوساط الشباب المسرّحين.
  6. ظهور سلوكيات اجتماعية سلبية مثل العنف داخل الأسرة، أو الانعزال، أو الانخراط في دوائر الإدمان.

وفي هذا السياق، نؤكد على أهمية قيام مكاتب أصحاب السعادة المحافظين والولاة بعقد اجتماعات مستعجلة تضم أعضاء مجلس الشورى والمجالس البلدية وممثلي الجهات المعنية في كل محافظة، وذلك لمناقشة هذا الملف الحيوي وتحديد الآليات السريعة لمعالجته على أرض الواقع.

كما نوجّه نداءً صادقًا إلى رجال الأعمال وأصحاب الشركات بضرورة التحرك الفوري والمساهمة الفعّالة في دعم هذه الفئة المتضررة؛ سواءً من خلال التوظيف المباشر أو الدعم المالي أو التكافل المجتمعي، وفاءً لهذا الوطن الذي قدم الكثير.

إنَّ الوقوف مع المسرّحين اليوم ليس خيارًا؛ بل واجب وطني وإنساني، ومن يُسهم في تخفيف معاناتهم، فإنما يُسهم في استقرار مجتمع بأكمله.

وللحديث بقية،،

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة