حمود بن سيف السلماني **
ها قد بدأ العام الدراسي الجديد، وجميع الأطفال يستعدون للنهل من فيوض العلم والمعرفة، والمدارس على اختلاف أنواعها من حيث عدد الطلاب والمراحل الدراسية؛ فبعض المدارس بها من الصفوف الأولى إلى الصف الرابع، وبعضها إلى الصف السادس، وأخرى إلى الدبلوم العام أو ما كان يسمى سابقًا الثانوية العامة، والجميع يتعلم ما يفيده خلال حياته اليومية والتي سيستفيد منها خلال الفترة المقبلة.
ومن هذا المنطلق نجد خلال السنوات الماضية، وما ينتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مسألة التنمّر بين الأطفال، حيث يقوم بعضهم بالتعرّض لآخرين أضعف منهم أو لمن ليس لديهم القدرة على الدفاع عن أنفسهم، أو أصغر سنًا منهم، بالقول أو بالإهانة أو بالضرب، ويصل الأمر أحيانًا إلى تجمع مجموعة من الأطفال على طفل واحد للتعرّض له، ويستمر ذلك لفترة ليست بالقصيرة، مصحوبًا بالضحك على الطفل الضحية.
وهذه المشكلة تحصل في مختلف المدارس، ولا يقتصر الأمر على المدارس فقط؛ بل حتى على مستوى العمل في الشركات وغيرها، وحتى في الولاية والمجتمع بين الأفراد. وهذه الآفة منتشرة في الوقت الحالي بشكل كبير جدًا ويجب القضاء عليها من جذورها. وإذا لم يتم القضاء عليها في الوقت الحالي، فإنه سيكون من الصعوبة مستقبلًا القضاء عليها أو حتى تقليلها، لأن الانتشار سيكون سريعًا، وحينها سنجد صعوبة بالغة في إيقافها. والإيقاف يبدأ من المنزل، بأن يجتمع كل أب بأبنائه ويبلغهم أهمية عدم التعرض للآخرين بأي شكل من الأشكال، وأن الله يرى ويسمع ما يفعلونه.
ويهمّنا في هذا الأمر طلاب المدارس، لأن البداية من هنا، وتعليمهم أهمية عدم التعرّض للآخرين بأي طريقة كانت أمر مهم جدًا. نعلم بأن التكليف يبدأ في سن البلوغ، ولكن لا يعني ذلك أن الأطفال غير محاسَبين على معرفتهم بالأخطاء التي يرتكبونها ضد غيرهم، فالمعرفة كافية لاجتنابهم القيام بما هو مخالف للشريعة والقانون. وهنا يتجلّى الأمر في تعليمهم بداية الشريعة الإسلامية، ثم القانون في المدارس، وخطورة فعلهم وما يترتب عليه من عقوبة على من يقوم بذلك الفعل. ولا يقتصر الأمر على العقوبة على الطفل فقط؛ بل يمتد إلى الأب الذي يُلزَم بتعويض الطفل الضحية بمبالغ مالية حسب الضرر الذي تعرض له.
ويتوجّب قبل بداية العام الدراسي أن تقوم كل عائلة بالجلوس مع أبنائها وتعليمهم أهمية عدم التعرّض لغيرهم من الأطفال، وحثهم على التمسك بالتعاليم والشريعة الإسلامية الخالدة، والمحافظة على نهج النبي الكريم في التعامل مع الآخرين وأثر ذلك التعامل في نفوسهم؛ حيث إن التعامل بالأخلاق الحميدة مهم جدًا في حياتنا اليومية، فقد قال تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾. ولأهمية الأخلاق في حياة أطفالنا، فإنها تجعلهم ينشرون الأفعال الحميدة، ويساعدون الآخرين، وينشرون المحبة بين الأطفال. ولا يقتصر ذلك على الطفل المتنمّر، بل يجب على الآباء أن يجلسوا مع أبنائهم ويبلغوهم بأهمية إخبارهم إذا تعرضوا لأي نوع من أنواع التنمّر، لأن ذلك سيساعدهم في منع الآخرين من التعرّض لهم في قادم الأيام. أما عدم تنبيه الأطفال بذلك فسيشكل عبئًا في المستقبل، حيث يمتنع الطفل عن الذهاب إلى المدرسة خوفًا مما تعرّض له سابقًا.
كما إن الجلوس مع أبنائنا وإبلاغهم بضرورة احترام الآخرين، وأن الله يراقب تصرفاتهم، وأن ما يقومون به من أفعال سيحاسبهم الله عليها، أمر مهم جدًا حتى يستشعروا أهمية الإيمان في قلوبهم، وزرع الرحمة والمودة فيها، وأن الله يراقبهم في كل لحظة وحين؛ الأمر الذي يجعلهم يفكرون دائمًا بعدم التعرّض للآخرين، بل بمساعدة من يتعرضون للإيذاء ونصح الآخرين. ويجب أن يعلم الأطفال أن تصرفاتهم التي يقومون بها فإنها سترتد عليهم عاجلًا أو آجلًا. ويجب أن نذكرهم دائمًا بأن الله لا يظلم أحدًا أبدًا، حتى الحيوان يُحاسَب على إيذاء حيوان آخر، وذلك ما أخبرنا به سبحانه وتعالى في سورة النبأ حيث قال في آخرها: ﴿يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا﴾ (40)؛ فالكافر يوم القيامة يتمنى أن يكون ترابًا، وهو محال. ولهذا يجب التنبيه على الأطفال بضرورة التعلق بالله حتى لا يتمنوا يومًا أن يعود الزمن إلى الوراء للتوقف عن التصرفات السيئة.
هذا المقال ليس إلا تذكيرًا بمقالات سابقة سبقني فيها الكثيرون؛ حيث إن مثل هذه المقالات ضرورية في حياتنا اليومية. كما إننا نقترح بضرورة الإكثار من الدروس التوعوية والدينية، وبيان خطورة هذه التصرفات على الأطفال، سواء على الجاني أو الضحية على حدّ سواء. كما إن تخصيص فقرة في إذاعة الصباح عن أهمية الابتعاد عن التنمّر والاعتداء على الآخرين أمر مهم جدًا، لأنه سيُولد نفوسًا طيبة وقلوبًا رحيمة تساعد الآخرين وتبتعد عن التنمّر وغيره، بل ستُوجد فئة تساعد الأطفال المحتاجين للمساعدة. وعندما يتولّد ذلك في قلوبهم، فإنهم سينشرونه على بقية أفراد حيّهم ومجتمعهم، وحينها سيكون المجتمع تسوده الرحمة والخير والبركة.
** محامٍ ومستشار قانوني