جماليات الحديث.. وأدب التخاطب

 

 

 

خليفة الحسني

 

تأتي جماليات الحديث في القول؛ فالكلمات قوالب المعاني، ودائمًا التجميل محبوب إلى الله تعالى كما قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله جميل يحب الجمال"، وجمال القول بما شملته النصوص النبوية أوصافًا للكلمة النافعة، الصالحة، والبعيدة عن تعكير الذوق العام. جماليات الحديث هي التفكير النقدي في الثقافة، والقول في هذه الصفات ألا تخرج عن القواعد العامة من القول الطيب، مما يكون حسن القول يجعل النفوس في صفاء وود وتعاون، وهي من فنون الإبداع والإتقان للكلمة الطيبة.

والقول الطيب قد أوصى به المولى عز وجل بقوله تعالى: "وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا" (البقرة: 83). وإذا توافرت هذه العناصر في الحديث فإن الشيطان لا مكان له، وفقدان عناصره أي عناصر الفساد في الحديث، وهذا ما يثبت بقوله تعالى بعدة دلائل. وأن نكون بعيدين عن السخرية والاستهزاء بالناس، فدائمًا الصفات الطيبة سواء بالحديث أو التخاطب تولِّد الطاقات الإيجابية. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت"؛ فهذه دلالة قاطعة على أن الابتعاد عن الصفات المعيبة بالحديث الفظ، والالتزام بالصدق قولًا وعملًا، وفق قاعدة "خاطبوا الناس على قدر عقولهم"، الغاية أن نفهم من التخاطب ما يُراد من قول ومعنى. وإذا افتُقدت هذه العناصر، فإن جمال المحادثة يذهب ويفسد؛ فالحرص على الكلمة الطيبة مع الناس صدقة.

لذلك يندرج فن التخاطب الذي يخلو من الخوض في الباطل والجدال والسب وبذاءة اللسان ضمن مكارم الأخلاق، فخلوه دليل على السمو والرفعة. وينبغي للإنسان أن يتخاطب بها، ويقول للناس بوجه منبسط ولين بعيدًا عن النفاق، مع التركيز بالكلام فيما يُعنى، وبعدم إطالة الحديث؛ حيث يُقال: "خير الكلام ما قلَّ ودل".

ودائمًا الأخلاق بالقول والعمل تكون منبثقة من الوصايا الربانية الإسلامية؛ لأن المنهج الإسلامي يتوافق مع الفطرة والعقل؛ فالعقل السليم يقتنع بما أتت به الشريعة من نظم أخلاقية متميزة عن غيرها، حيث إن جمال اللفظ من جمال الأدب، وسلامة النطق من سلامة الفكر.

لذلك نود القول إن علينا الابتعاد عن بذاءة الكلام والألفاظ النابية؛ فهي كلمات مستهجنة اجتماعيًا عند كثير من الناس، وأن نعلم أن طريقة كلامنا وحديثنا مع الآخرين تُحدد نظرة الناس لنا، وقد تكون هي الوسيلة بين عوامل عديدة يُقيَّم الشخص على أساسها.

والسلوكيات السيئة من بعض الناس تعكس طبيعة أنفسهم المُفلسة؛ فمهما أوصلت لهم الإشارة بأن سلوكياتهم ضارة، فإن أفعالهم وسلوكياتهم ليس لها مكان بين مكارم الأخلاق. ودائمًا الابتعاد عن هذه الفئة من الناس خير ونعمة، وخاصة أولئك الذين يتظاهرون بحسن الخلق وطيبة القلب والدين والعبادة كالصلاة، لكن بداخلهم غلّ وكيد ونفاق وخيانة لأنفسهم قبل خيانة غيرهم. ينكرون جمائل الناس لهم متخذين بهذه الصفات مسلكًا، وقد يكونوا تربوا على مثل هذه الصفات أو تعلموها أو أجبروا عليها من شياطين الإنس. وكأنهم أرادوا بهذه الصفات حياة صلاح لهم كما صُوِّر لهم، حتى غَرِقت جيوبهم بمال الدنيا وملذاتها، وبها سلكوا مسلك الرذيلة، وهي مسالك الهالكين، والعياذ بالله منهم ومن مسالكهم.

لذلك حقًّا على الإنسان أن يسلك طريق العقلاء، ويذهب مذاهب البصراء قولًا وعملًا.

نسأل الله الكريم الرؤوف أن يمنّ علينا ويهدينا أرشد المسالك، وتقبّل الله منا ومنكم صالح الأعمال، وحفظ الله المتقين الصادقين لربهم وللناس، وحفظكم الله، وحفظ الله هذا الوطن الغالي، وحفظ الله قائد هذا الوطن.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة