تعمين مكاتب الاستشارات الهندسية.. مطلب مُستحق

 

 

 

حمود بن سعيد البطاشي

تُعد مهنة الاستشارات الهندسية من أهم المهن المرتبطة مباشرة بالتنمية العمرانية والبنية الأساسية، وهي في ذات الوقت من أكثر المهن التي تدر أرباحًا عالية وتتيح فرصًا متعددة للتخصصات الهندسية المختلفة.

ورغم ما تحقق من إنجازات على مستوى التعمين في قطاعات متعددة، إلّا أن نشاط مكاتب الاستشارات الهندسية لا يزال بحاجة ماسة إلى إعادة نظر؛ وذلك من حيث ضرورة اقتصاره على العُمانيين في إدارته وتشغيله، وخاصة في الجوانب الأساسية: المهندسون، الرسامون، المشرفون على المواقع، والكوادر الإدارية ذات العلاقة الوثيقة بالعمل الفني والميداني.

ما يحدث اليوم هو أن كثيرًا من هذه المكاتب -مع الأسف- تُدار فعليًا من خلف الكواليس بأيادٍ وافدة، في الوقت الذي يَظهر العُماني فيها كواجهة شكلية فقط. وهذا الوضع لا يخدم لا مصلحة الوطن ولا أبناءه؛ بل يفتح الباب أمام التستر المهني ويمنع الكوادر الوطنية من نيل فرصتها المُستحَقَّة في إثبات ذاتها وخدمة بلدها.

ومع تزايد أعداد الخريجين من أبناء هذا الوطن في تخصصات الهندسة المعمارية، والتصميم الداخلي، والرسم الهندسي، وهندسة المواقع، تصبح الحاجة إلى تعمين هذا القطاع بشكل كامل حاجة مُلحّة وليس مجرد خيار. وتعمين هذا النشاط لا يعني إقصاء أحد بقدر ما يعني منح العُمانيين المؤهلين الفرصة للعمل في بلدهم، ضمن اختصاصهم الذي أفنوا سنوات من أعمارهم في دراسته، وهم الأحق به من غيرهم.

لقد أثبت العُماني قدرته وكفاءته في العمل الهندسي في مختلف الميادين؛ سواء في القطاع الحكومي أو الخاص، بل إن كثيرًا من المشاريع الكبرى يديرها ويشرف عليها مهندسون عُمانيون بكفاءة واقتدار. ومع ذلك، لا تزال بعض المكاتب تُفضل الأيدي الأجنبية إما بدافع تقليل التكاليف أو لاعتبارات أخرى غير منطقية وغير وطنية. ونحن هنا لا نتحدث عن استغناء فوري، وإنما عن سياسة إحلال تدريجية واضحة تضمن انتقالًا سلسًا وعادلًا يراعي حقوق الجميع، ولكن يُعلي في النهاية مصلحة المواطن والوطن.

إنَّ فتح هذا النشاط للعُمانيين فقط، وخاصة في التخصصات الأساسية، يعني فتح مئات الفرص الوظيفية سنويًا للباحثين والباحثات عن عمل، وهو ما يتماشى مع رؤية "عُمان 2040" التي وضعت الإنسان محورًا للتنمية، وأكّدت ضرورة التمكين الاقتصادي والاجتماعي له، خاصة في المجالات التي تتطلب تخصصًا أكاديميًا ومهنيًا عاليًا.

كما أن تعمين هذا القطاع سيقلل من ظاهرة "المكاتب الوهمية" التي يُعتقد أنها تعمل لصالح وافدين بعيدًا عن الرقابة والمحاسبة، ويُعيد الثقة للسوق، ويعزز جودة العمل المهني، ويضمن أن الأرباح المتحققة من هذه المهنة تبقى داخل الاقتصاد الوطني، وتُعاد استثمارها في تطوير المهنة ذاتها وفي تمكين الجيل القادم من المهندسين.

ومن هنا، نرفع صوتنا إلى وزارة العمل، أن تنظر بعين الجدية إلى هذا القطاع، وأن تتخذ قرارًا استراتيجيًا بتعمينه بالكامل، وتحديد فترة زمنية واضحة لإحلال العُمانيين محل الوافدين، وأن يكون ذلك بالتعاون مع الجهات المعنية مثل وزارة الإسكان والمجلس الأعلى للتخطيط وجمعية المهندسين العُمانية.

ختامًا.. إن هذا المطلب ليس مجرد رأي فردي؛ بل هو أمل شريحة واسعة من أبناء هذا الوطن، من الخريجين والباحثين عن عمل، الذين ينتظرون من الجهات المسؤولة أن تفتح لهم أبواب الفرص وتعيد إليهم الثقة في مستقبلهم المهني. ولنا في أبناء هذا الوطن كل الثقة أنهم على قدر المسؤولية متى ما أُتيحت لهم الفرصة العادلة.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة