ديموغرافية الجامعات

 

 

 

سالم بن حمد الحجري

 

تسعى الجامعات في كل أصقاع المعمورة إلى تعزيز ثقافة التنوع والتعددية الفكرية في كوادرها الأكاديمية والطلابية، إذ يسهم ذلك في تطور البيئة الشاملة للتعليم من خلال استقطاب الكوادر الأجنبية ذات جودة تمتاز بالمهارات والقدرات والثقافات من مختلف الحضارات، فكيف يسهم ذلك في تطوير منظومة الجامعات؟ وهل يؤثر هذا التوجه في سياسة توظيف الكوادر التدريسية المحلية؟ وكيف يمكن للجامعات تحقيق التوازن المنشود؟

اهتم علماء الأنثروبولوجيا بالاختلاف الثقافي بين المجتمعات الإنسانية باعتباره تنوعا يسهم في بناء وعي الإنسان وثقافته وتطوره، كما تعد الجامعات والمؤسسات التعليمية الوعاء الذي يشكل ذلك الوعي الإنساني الثقافي ويكسب الفرد المنتمي له القيم السلوكية والمبادئ والأخلاق التي بدورها تنتقل للمجتمعات عبر أجيال من المخرجات الطلابية.

لذلك تحرص الجامعات على تعزيز مجتمعها الداخلي بالكادر الأكاديمي المُتنوِّع ثقافيًا ذي اتجاهات وثقافات ومعارف وعادات اجتماعية مختلفة، وخلق بيئة تعليمية متعددة المشارب والطبائع من جنسيات مختلفة، وتشجيع التفاعل الاجتماعي بين أطياف المجتمع الجامعي وفرص التواصل والتبادل الثقافي، والاحترام المتبادل لثقافة الآخر وقيمِهِ وأساليب حياته وعرقه ودينه.

وهذا لا شك أنه مسلك له فوائد جمة منها اكساب منتسبي الجامعات مهارات التواصل والحوار وتعدد الثقافات، كما إن المخرجات الطلابية تتصف بالمهارات الدولية المعاصرة كالتفكير النقدي للمشكلات والتحديات الدولية وفهم التحولات الإقليمية والعالمية.

كذلك تجلب الخبرات الدولية من الكوادر الأكاديمية خلاصة تجاربها وإنتاجها في البحوث العلمية الريادية، وعصارة أساليب الفكر التدريسي الفعال بما يسهم في بناء بيئة تعليمية متطورة ومستدامة، بالإضافة إلى أن استقطاب النخبة من أعضاء هيئة التدريس يرفع من قيمة ودرجة الجامعة في التصنيفات الدولية لأفضل الجامعات منها تصنيف "QS" العالمي وتصنيف شنجهاي وتصنيف تايمز؛ حيث يُسهم ذلك في تحقيق الجامعة أفضل وأعلى مستويات التفوق الأكاديمي.

قد تكون الصورة النمطية المعتادة لدى الكثير أن الوظائف الأكاديمية في الجامعات يجب أن تكون حِكرًا على الكوادر التدريسية من أبناء الوطن، وأنه لم يعد هناك مُبرِّر للتعاقد مع الكوادر الأجنبية، وهذا فهم مغلوط للبيئة التعليمية في مؤسسات التعليم العالي التي يُقاس تطورها وتقدمها بعدة جوانب منها التنوع والتعدد الثقافي والإثني لجنسيات الكادر التدريسي، وربما يكون مُبرِّر ذلك أعداد الباحثين عن عمل من مخرجات التعليم العالي وحاملي المؤهلات التعليمية العليا.

والمقال هنا لا يعارض ذلك؛ بل يوجه إلى دعم توظيف الكادر التدريسي العُماني ذي الكفاءة ليكون جنبًا إلى جنب مع الكادر الأجنبي ذي الكفاءة المضاعفة والجودة العالية التي ترفع من شأن الجامعة وتُحسِّن بيئة التعليم فيها، وتتحقق القيمة المضافة لها، وهذا يقع على عاتق ومسؤولية إدارات الجامعات في تحقيق التوازن المطلوب وانتهاج سياسات الاستقطاب المبنية على معايير الجودة والكفاءة، ووفقًا للسياسات المالية التي تنتهجها الجامعات؛ سواء الحكومية أو الخاصة.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة