خالد بن حمد الرواحي
في ظل التحول الرقمي المتسارع، أصبح الذكاء الاصطناعي عاملًا محوريًا في إعادة تشكيل مختلف القطاعات، بما في ذلك التدقيق الداخلي. ومع تزايد تعقيد العمليات المالية وتدفق كميات هائلة من البيانات، تبرز الحاجة إلى أدوات تحليلية متقدمة تسهم في تعزيز كفاءة عمليات التدقيق وتحقيق الشفافية المؤسسية. لكن، هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون الحل الأمثل لتطوير التدقيق الداخلي، أم أنه يحمل تحديات قد تعيق تحقيق هذه الطموحات؟
في ورقةٍ بحثيةٍ نشرتها خلال شهر فبراير 2025 في المجلة الدولية للدراسات الأكاديمية، وهي مجلة علمية محكمة، بعنوان "التحديات المستقبلية للتدقيق الداخلي في عصر الذكاء الاصطناعي"، تناولتُ التأثيرات المتوقعة لتطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي في التدقيق الداخلي، مع التركيز على الفرص والتحديات المصاحبة لها.
وكشفت الدراسة أن الذكاء الاصطناعي يسهم في تعزيز دقة عمليات التدقيق بنسبة 45%، وتقليص الوقت اللازم لتنفيذ المراجعات بنسبة تصل إلى 35%. كما أظهرت النتائج أن المؤسسات التي تبنّت هذه التقنيات شهدت تحسنًا ملحوظًا في قدرتها على كشف الاحتيال المالي والحد من التجاوزات الإدارية. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات قائمة، أبرزها مقاومة التغيير، ونقص الكفاءات المتخصصة، فضلًا عن المخاطر المرتبطة بالأمن السيبراني.
وتشير التجارب الدولية إلى أن نجاح تطبيق الذكاء الاصطناعي في التدقيق الداخلي لا يعتمد فقط على توفر التكنولوجيا، بل يتطلب استثمارات في تطوير البنية التحتية الرقمية وتعزيز المهارات البشرية. على سبيل المثال، تمكنت الشركات الأربع الكبرى في مجال التدقيق (Deloitte، PwC، EY، KPMG)، من تحقيق نقلة نوعية في كفاءة عملياتها من خلال الاستفادة من تقنيات التعلم الآلي وتحليل البيانات الضخمة. في المقابل، تواجه العديد من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة صعوبات في دمج هذه التقنيات، بسبب نقص الموارد المالية والكوادر المؤهلة.
أحد التحديات الرئيسة التي تناولتها الدراسة يتمثل في صعوبة تكامل الأنظمة التقليدية مع تقنيات الذكاء الاصطناعي. حيث أظهرت البيانات أن 60% من المؤسسات التي لم تستثمر في تطوير بنيتها التحتية تعاني من مشكلات في الاستفادة الكاملة من إمكانيات الذكاء الاصطناعي في التدقيق الداخلي. كما أن الاعتماد المتزايد على الخوارزميات يثير مخاوف تتعلق بالشفافية والمساءلة، نظرًا لاحتمالية انحياز الأنظمة المعتمدة على البيانات التاريخية، مما قد يؤثر على دقة نتائج التدقيق.
ولتجاوز هذه التحديات، أكدت الدراسة ضرورة وضع إطار تنظيمي متكامل يحدد كيفية توظيف الذكاء الاصطناعي في التدقيق الداخلي، مع تعزيز برامج التدريب والتطوير المهني لضمان امتلاك المدققين المهارات اللازمة لاستخدام هذه التقنيات بفعالية. كما أوصت بضرورة توظيف أدوات الذكاء الاصطناعي بشكل تكاملي يعزز من قدرة المدققين الداخليين بدلًا من استبدالهم، وذلك لتحقيق التوازن بين الأتمتة والرقابة البشرية.
في هذا السياق، يمكن القول إن الذكاء الاصطناعي لا يمثل فقط أداة لتحسين كفاءة التدقيق الداخلي، بل هو عنصر أساسي في تعزيز الامتثال المالي، والحد من مخاطر الاحتيال، وتحسين جودة التقارير المالية. ومع ذلك، فإن نجاحه يعتمد على مدى استعداد المؤسسات للتكيف مع هذا التطور التقني والاستثمار في الموارد البشرية والتكنولوجية الداعمة له.
لكن يبقى السؤال الأهم: هل يمكن للمؤسسات الحكومية والخاصة تبني هذه التقنيات بفعالية دون التأثير على النزاهة والشفافية؟ تشير نتائج الدراسة إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يكون سلاحًا ذا حدين؛ فمن جهة، يمكن أن يعزز الكفاءة والرقابة إذا تم توظيفه بشكل صحيح، ولكنه قد يؤدي إلى تحديات غير متوقعة إذا لم يتم التعامل معه بحذر ووفق إطار تنظيمي واضح.
ختامًا، يمثل الذكاء الاصطناعي فرصة استثنائية لإعادة تعريف التدقيق الداخلي وجعله أكثر دقة وكفاءة. ومع ذلك، فإن تحقيق هذا الهدف يتطلب نهجًا متوازنًا يجمع بين التطوير التقني والتمكين البشري، لضمان تحقيق أقصى استفادة ممكنة من هذه التقنية الواعدة.
تمثل هذه الدراسة مساهمة مهمة في تسليط الضوء على مستقبل التدقيق الداخلي في ظل الثورة الرقمية، ما يستدعي اهتمام المؤسسات وصناع القرار بتطوير استراتيجيات تكاملية توظف الذكاء الاصطناعي بفعالية، دون التفريط في المبادئ الأساسية للشفافية والمساءلة.