حمود بن سعيد البطاشي
لطالما سمعنا في السنوات الأخيرة عبارات مثل "تمكين الشباب"، و"دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة"، و"تعزيز الاقتصاد المحلي عبر ريادة الأعمال"، ولكن حين ننزل إلى الواقع، نجد الفجوة شاسعة بين الشعارات والتطبيق، بين ما يُقال في المُؤتمرات وما يُمارس على الأرض.
المواطن العماني، الحالم بمشروع صغير يعتاش منه، لا يطلب المستحيل، بل ينتظر فقط التسهيلات التي وُعِد بها. ينتظر تمويلًا حقيقيًا، لا قروضًا مُرهقة بشروط تعجيزية، ولا إعفاءً ضريبيًا منتهي الصلاحية بعد أشهر قليلة. ينتظر نظامًا مرنًا، لا متاهة من التصاريح والرسوم التي تقتله قبل أن يبدأ.
المشاريع تُدفن قبل أن تُولد
ببساطة، واقع المشاريع الصغيرة في عُمان اليوم لا يبعث على التفاؤل؛ فالشاب أو الشابة ممن يريدون أن يبدأوا مشروعًا، يجدون أنفسهم في مُواجهة سلسلة من التحديات:
- صعوبة الحصول على تمويل دون كفيل أو ضمانات ثقيلة.
- ارتفاع الرسوم السنوية والضرائب حتى على المشاريع المتعثرة.
- اشتراطات بلدية وبيئية وتنظيمية متراكمة ومعقدة.
- قلة السوق وضعف القدرة الشرائية، وغياب الحماية من المنافسة الخارجية.
والنتيجة؟ مشاريع تتساقط قبل أن تُكمل عامها الأول، وشباب يحبطون ويغلقون سجلاتهم، ويعودون إلى طوابير الباحثين عن عمل من جديد.
نحن لا نطلب من الحكومة أن تُمطر علينا ذهبًا، بل نطلب واقعية. نطلب تمويلًا ميسّرًا بلا شروط خانقة. نطلب إعفاء ضريبيًا لا يقل عن خمس سنوات للمشاريع الناشئة. نطلب قوانين واضحة، وإجراءات إلكترونية سلسة، وتخفيضًا في الرسوم، لا زيادتها كل عام.
إننا نطلب من المسؤولين أن ينزلوا إلى الميدان، ويستمعوا لأصحاب المشاريع الصغيرة، لا أن يكتبوا خططًا من خلف المكاتب. نطلب أن تكون هناك إرادة حقيقية لدعمنا، لا فقط منشورات إعلامية وأرقام لا تمس الواقع.
التمكين لا يكون بالوعود
لا يُمكَّن المواطن إذا كان خائفًا من الغرامات، ولا يُبنى اقتصاد قوي إذا كانت المشاريع تُعاقب بدل أن تُشجَّع، ولا نخلق بيئة ريادة إذا كانت الشروط تعجيزية، والدعم منقوصاً، والثقة مفقودة.
وإذا كانت الحكومة تُعوّل على القطاع الخاص، فعليها أن تعطيه الأكسجين ليعيش، لا أن تُغرقه في الروتين والضرائب والرسوم.
وأخيرًا.. لقد آن الأوان لأن ننادي بصوت عالٍ: أين التسهيلات التي وُعِدنا بها؟ أين بيئة الأعمال التي قيل إنِّها جاذبة ومحفزة؟ أين الدعم الحقيقي الذي يُخرج المُواطن من دائرة الفقر والبطالة إلى فضاء الإنتاج والاكتفاء؟!