خليفة بن عبيد المشايخي
انطوت أيامنا سريعًا حتى غدونا لا نشعر بمرورها، وهي تنقص من أعمارنا لا محالة، وتأخذ من حياتنا رغم كل حالة؛ فالصغير يكبر، والكبير يشيب، والمريض يشفى، وذو الصحة يمرض، وربما بدونه يموت، وهكذا.
وكلٌّ منا يريد لنفسه وضعًا أفضل مما كان عليه، حتى ذلك الذي لا يملك شيئًا، عمل ببيت شعر الطغرائي، فأصبح "يعلل النفس بالآمال يرقبها"، ما أضيق عيشه لولا فسحة الأمل، هو حتمًا لم يرتضِ عيشه والأيام مقبلة، لكنه رضي وقد ولت على عجل.
هكذا تمضي السنون بالناس، وهكذا هم، جزءٌ منهم يعيشون الصبر على كل شيء، حتى الصبر على المصيبة، وعلى الحزن، وعلى الحرمان، وعلى الطاعة، وكذلك الصبر عن المعصية، وعن الذنب، وعن فعل الشر، مطالبين به، مع الاستعانة بالصلاة مع الصبر، حتى يتحقق اليسر، والنصر، والعون، والمدد الإلهي، وحتى نكون مؤمنين حقًّا، وقومًا شاكرين، حامدين، طائعين.
لقد مضت أيامنا سريعًا كلمحة البرق، فها هو هذا العام الجديد 2025 مضى منه 5 أشهر وكأنها البارحة، وما هي إلا أشهر بسيطة وسينقضي بكامله، وكل شيء من حولنا سينقضي، وسيتغير سريعًا، ويتقدم سريعًا، ويمضي سريعًا، وهناك بشر لا زالوا جوعى، ومرضى، وسجناء، وهذه سُنّة الله في خلقه.
فمثلًا، إخواننا المُستضعفون في غزة وفلسطين وبقية بلاد المسلمين، لا زالوا يعيشون مصائب وويلات كبرى، وفي الهند وباكستان هناك صراع لا يريد أن ينتهي. وفي اليمن الشقيق، يعيش أهلنا وجيراننا ألم الفقد، والإصابات، والقتل، والاعتداء عليهم من قوى الشر، والإرهاب، والعدوان، والمسلمون في البلدان الآمنة يتفرجون ويتحسرون ولا يملكون إلا الدعاء لهم، وليس بمقدورنا فعل شيء أكثر من ذلك، مع التبرع بالمال ودعوة الله تعالى لهم ولنا، فالله نسأل أن يُشتِّت بالظالمين في البلاد، ويصب عليهم سوط عذاب، وأن يُرينا فيهم عجائب قدرته.
نعم.. مضت الشهور مسرعة، وكذا الأحداث، والأحوال، والظروف، فبقاء الحال ودوامه، أيًا كان، من المحال. وفي الأيام الماضية، في الربع الأول من هذا العام، أتى علينا شهر رمضان الفضيل، ومن ثم عيد الفطر، ونحن الآن في هذه الأيام، قد انقضى من شهر ذي القعدة نصفه.
لذا، لم يتبقَّ على نفور الحجاج إلى الديار المقدسة، فعيد الأضحى المبارك، لا تفصلنا عنه إلا أيام بسيطة. وما أردت قوله: إن العيد عادة ما يكون فرحة، وأنسًا، وبهجة، ولقاءً، وتزاورًا، وتحاورًا، وتشاورًا، وتآزرًا، والناس في أيام العيد غير متساويين، كما هو حالهم في غير أيام العيد.
فمثلًا في عيد الفطر، منذ القدم، كانت عادة أهالي ولاية جعلان بني بوحسن (على اعتبار أني منها) أنهم يُعدّون العُرسية فقط، وبعض البيوت لم تكن تطهو العُرسية صباح أول أيام العيد، لأنها كانت تأتيهم من بيوت الجيران، والأقارب، والأهالي، وبالتالي ليس هناك حاجة لطهي العُرسية في البيت، خوفًا من التبذير، والإسراف، وعدم المحافظة على النعم.
وبالتالي كانت بعض الأسر تكتفي بتلك العُرسية بالسمن البلدي التي يجود بها الخيرون. أما الآن، مع التمدن، والحداثة، والتطور، وتغير كل شيء، حتى الأنفس، والمثل، والمبادئ، والآداب العامة، والمعاملات الاجتماعية، والتواصل، وحتى هذه الوجبة، فإنها اختفت من كثير من البيوت، واستُبدلت بوجبة القبولي أو المكبوس، وأصبح أصحاب البيت الواحد منقسمين إلى نصفين.
ففريق يريد العُرسية، وفريق يريد الوجبة الأخرى التي ذُكرت، ما أحدث ربكة، وعدم إنفاق، ورضا في البيت والأسرة والعائلة الواحدة كما كانوا قديمًا.
لذا، فإن بعض الأسر عمدت إلى عمل العُرسية في أول أيام عيد الفطر، وفي ثاني أيامه تعمل وجبة القبولي أو المكبوس، ما جعل من هذه العادة تنتشر شيئًا فشيئًا، ويسمع عنها القاصي والداني، ويكون رب الأسرة الأخرى محاطًا بخيار أن يعمل لعياله كما عمل الآخرون، من باب: كلوا من فضل الله، ولا ننتظر من الآخرين شيئًا. وإن لم يعمل رب الأسرة ذلك، فأفرادها يُسرّونها في أنفسهم، فيُصابون بالحسرة، وخيبة الأمل. وبالتالي، هذا جانب يجب أن يُراعى من الغني وميسوري الحال، حتى لا يشعر الفقير بالنقص، والعوز، والحاجة، والفاقة، والعجز عن تحقيق شيء من ذلك لعياله وأهله وأسرته.
إنَّ عيد الأضحى المبارك لم يتبقَّ منه شيء، وعادة هذا العيد مختلفة عن عيد الفطر من حيث طبيعته، وعاداته، وتقاليده، والصرف فيه، وكثير من الأسر متعففة، وفقيرة، ولا تملك شيئًا، حتى أصحاب الرواتب البسيطة، عليهم ديون، والتزامات، ومطالب كثيرة. وعليه، نحث الجميع من المقتدرين على مساعدة إخوانهم المحتاجين في كل مكان.