عبء الكمال: محاولة أن نكون مثاليين!

 

 

 

سعود عبدالله العبيداني **

 

هناك نوعية من الناس، في كل يوم ينظر إلى المرآة، يكتشف نقصًا جديدًا في شكله، ومهما حاول إصلاح عيوب وجهه وجسده المزعومة، لا يرضى عن شكله أبدًا، ولعله نفس الشخص، الذي مع كل مرة يتعامل فيها مع صديق أو حبيب، يراجع كلامه معهم ألف مرة، يتساءل دائمًا: هل أخطأت معه في كلمة؟ هل أخذ عني الانطباع الفلاني؟ هل ضايقته في شيء؟ هل مازال يحبني؟ إنها حقًا أفكار خانقة، كفيلة أن تعكر حياة أي شخص، وتجعل طريقه صعبًا طويلًا مليئًا بالألغام، كلما تجاوز إحداها خشي أن يقع في اللغم التالي، فإذا كنت تشبه هذا الشخص في ما يراودك من أفكار وأحاسيس، أو عانيت من تجربة مماثلة أو شبيهة، فإن الكلمات التالية أُعدت خصيصًا لك بكل الحب.

يرى الكاتب برينيه براون في كتابه "الجرأة العظيمة" أن شتّان بين السعي إلى الكمال والسعي إلى التميز؛ فَالسعي إلى التميز فضيلة، بينما السعي إلى الكمال رذيلة، ولعل الفارق الحقيقي بينهما، يتلخص في أن الساعي للكمال، يحاول إرضاء من حوله، وكل تركيزه ينصب حول شكله الخارجي وإرضائه لمن حوله، بينما الساعي إلى التميز يمتلك دافعًا داخليًا للتطور واكتساب المزيد من المهارات.

بصورة أخرى يمكن القول إن الساعي إلى الكمال يرى أخطائه عيوبًا شخصية، أما الساعي إلى التميز ينظر إلى أخطائه أنها فرصة للتعلم، وما هي إلا سُلمة، تمكنه من الوصول إلى أهدافه. إذًا الكمالية ما هي إلا فخ، يُعكر صفو حياة الإنسان، لم يرد أن وصل بشر إليها، وما يجعل المرء يشعر برغبة الوصول إليها، هي مخاوفه من فقدان الحب والقبول بين الناس.

في علم النفس، كثير من مشاعرنا، تصرفاتنا وصفاتنا حصيلة طفولتنا، وهكذا أيضًا بالنسبة إلى السعي إلى الكمال. على سبيل المثال، الكثير ممن يعانون من محاولة الكمال، قد تعرضوا إلى طفولة صارمة، يتخللها المديح المشروط، ويبرز هذا جليًا في المقارنات، فنجد الأب أو الأم، يقارن بين ولده والآخرين في المستوى الدراسي، الرياضي، وقد يصل حد المقارنة إلى الشكل الخارجي، فنجد أم تقارن بين بنتها وأخرى في جمال الشعر ونعومته أو غيرها من مقارنات، تُشعر الطفل بالنقص، وتشب معه حتى تتمثل في صورة السعي إلى الكمال، ومع ذلك لا يمكن القول، أن السعي إلى الكمال نتاج للطفولة الصارمة فقط، إنما قد يكون ناتجًا أيضًا عن اضطرابات نفسية أو وسواس معين.

للوهلة الأولى يبدو أن مصطلح "طريق مليء بالألغام" به الكثير من المبالغة، لكن في الحقيقة، صعوبة ما يعانيه الباحث عن الكمال، تفوق صعوبة الألغام، لأنه دائمًا ما يشعر بالقلق والتوتر، ودائمًا ما يسعى إلى إرضاء الناس دون أن يصل إلى ذلك الهدف الوهمي، وقد تظن أن الباحث عن الكمال سيصل إلى أهدافه، ويحقق التميز، وإن كانت حياته لا تخلو من التوتر والقلق، لكن المفاجئة أن الباحث عن الكمال، لا يحقق أي إنجازات على أرض الواقع، ذلك لأنه يخشى الفشل، يخشى أن يخفق أمام الناس، يخشى من ماذا سيقولون عنه؟ وكيف يظنون به؟ إن ضحايا البحث عن الكمال، يعانون من جلد الذات، التوتر، القلق والخوف من الفقدان.

والآن من حقنا عليك، أن نقدم لك المساعدة، وأن نشير لك على الحل، وفي الحقيقة، العلاج أقرب لك مما تتخيل، إنه يكمن في نفسك، كل ما عليك فعله أن تصدق نفسك، وتقتنع أنك لست بحاجة إلى كسب رضا أي شخص مهما كان، أنت بحاجة إلى حب نفسك، وأن تعلم أن علاقة من حولك بك، لا يجب أن تكون مشروطة بماذا سوف تقدم لك؟ فأنت تستحق أن تُحب لذاتك.

وعندما تصل إلى هذه النقطة، سوف تستشعر حلاوة الإنجازات حتى البسيط منها، لأنك الآن تسعى للإنجاز من أجل ذاتك، وحتى إذا كنت تسعى إلى الإنجاز من أجل الآخرين، هذا سوف يكون لأنك ترغب بمساعدتهم حقًا، لا لأنك ترغب أن ترضيهم وتسمع منهم المديح.

أنت بشرٌ، لا مشروع استثماريًا يجب أن يكون متكامل الأركان، ويجلب أكبر العوائد، فنحن لسنا بحاجة إلى الكمال، فقط نحتاج الحُب، والحُب لا يكون حُبًا إذا كان مشروطًا ومرهونًا بماذا سوف نُقدِّم لمن نُحِبُ؟

** محامٍ بولاية صحار

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة