قصة الوادي الصغير 21

حمد الناصري
 
 بدعوة من زعيم سيح المالح المُتحد، اجتمع رجال جاؤوا من الوادي الصغير والقريتين وقرية التراث والاحياء الرملية، وبدا على وجوههم آثار مُشوشة وتعب وارتباك.. فقال زعيم المُتحد وهو يرفع رأسه وبدا كالمُطمئن وكأنّه لم يقترف إثْماً أو لم يفعل شيئاً في حق أحد من تلك المُجتمعات، وقال وهو مُتكئاً :
 
ـ لا شك أنّ مَوقفنا هذا أزعج مُجتمع الوادي والقريتين وقرية التراث ، لكنا مُضطرين إلى ذلك ، ولم نخلف وعودنا معكم ،ولكن غضبٌ بدا يتحرّك من القوتين ، ونحن نحمل أوزارها ، بَيْد أننا نعمل ذلك دأباً من أجل رفع مُستوى اقتصادنا المحلي وإنشاء سوق كبيرة مع الشراكة المُجتمعية ، تحت مُسمى "تحالف الوادي" ورغبتنا الجادة أنْ ننظُر إلى الجانب المُشرق في بُقعتنا المُهمة للقُوتين الكبيرتين ، فالغُرباء البيض ذو العيون الزرقاء ، ليسوا بأحسن حال عن الغُرباء ذو الوجوه الحُمر المُكتنزة ، الذين ينظرون إلينا بأننا رُعاع لا نستحقّ النّعمة التي ننعم بها ، إنهم قوم حاقدين على مُجتمعات الأعراب وعلى المُعتقد المَتين الذي نؤمن به ،  لا أجد تعبيراً ، يُمكن أنْ أصف به حقدهم أكثر من أنهم سَفلة يَنْعتون رجالنا الأعراب بالأوباش وأحياناً يصفوننا بـ ديوك الرمال.؛
وفي الحقيقة أنّ الغرباء ذو الوجوه الحُمر المكتنزة ليست لديهم معرفة أو تجربة في كيفية إشعال النار من روث الحيوانات إلا عندما قُمت بتجربتها أمامهم، فانبهروا وذُهلوا، كيف اكتشفنا هذه التجربة بدقة وهم يَجهلون.؛ ونحن الاعراب نُمارسها لأكثر من قَرْن.؛
والشرقيون ذوي العيون الزرقاء خيرٌ منهم فهم قد عُرفوا بأنهم يَهتمون بالتفاصيل الصغيرة والدقيقة ويُقيمون وزناً لِبُقعتنا رمال الأعراب، رغم أنّ نظرتهم فيها ضبابيّة ومُشوشة.. ولكنهم دائبون ولهم نشاط مُميّز لِبُقعتنا ذات المخزون الكبير من الخير والفضل والنّعمة التي حَبانا بها ربّ السماء، وفضّلنا عن كثير من الناس في بقاع الارض، ذلك الفضل يُؤتيه ربّ السماء لمن يشاء ويَنزعه عَمّن يشاء.؛
 ولا ريب ، فنحن عاملون بجهد كبير ونشاط مُستمر ،لأجل تغيير نمط الحياة وأساليب المَعيشة لمُجتمعاتنا ، ونشعُر بالرحابة والرّضا ، ونعمل بجد وديمومة ليستقرّ توازن القُوتين في البحر الضيّق وفي الرمال والكثبان العميقة وفي القرية العتيقة وقرية التراث وفي بقاع رمال الوادي الصغير والبحر الكبير الذي يُشرف عليه رجال الوادي الصغير ، فهم يمتهنون البحر أكثر من غيرهم ، فمنهم رجالاً أشداّء ، شغلوا الشرق والغرب بعلوم البحار ، وكان أكثرهم شُهرة شهاب الماجد ، والتأريخ ذكر في أكثر من رواية وسردية حكاية البحار العربي الماجد مع البحّار  الغربي الشهير والذي قيل أنه استكشف الدوران الصالح للسفن والعودة العكسية ، والتي عُرفت في علوم البحار ، بدوران الرأس الاعلى ، والحقيقة أنّ التاريخ كذّب تلك الروايات والحكايات التي أثيرت حولها ، فقد كتب البحار شهاب الماجد في مُدونة أسماها " مُدونة علوم البحار السبعة " وهو يعني بالبحار السبعة أيّ التي تلتقي جميعها في مصبّ البحر الكبير ، الذي تجوبه سُفن بحارة الوادي الصغير ، وعُرف باسمهم.
 وأنا أسعى إلى الحفاظ على مُكتسبات الرجال ومُدخرات الرمال ، وأنّ سَعي سوف يُرى لعامة الناس ، وسوف يُرى ما نعرضه على صفحات تاريخية باقية ، لا شائبة ولا سلبية، وستبقى أفكارنا بعيدة عن النظرة الأحادية حتى لو خالفنا الغُرباء ذو الوجوه الحُمر المُكتنزة الذين يَضمرون لنا العداوة والبغضاء علانية وينتهكون حقوقنا جهراً ، وهم لا يفترون عن القول الكذب وكتابة التأريخ زُوراً ، كأنّ الزيف ديدنهم ، يَفتقرون المعرفة ولا يكادون يفقهون غير قولهم يتسلّطون علينا بعنجهية وغرور بلغ سَيْلها زُبى تحمّلنا ، ولم نَعُد نحتمل دسائسهم في بُقعة الاعراب .
ولا نقبل أنْ تكون بُقعة الوادي الصغير مُلتهبة بفسادهم، ولن نرضى بأنْ نجعل منها ساحة نفعيّة دائمة، ولا نرضى لقيمنا الاصيلة تتأرجح بين عاطفة شرقية وغربية، نحن لَسْنا كالأشياء التافهة، نحن رجال عُظماء، خُلقنا لنكون مُتميزين رجالاً ونساءً وأرضاً ومكاناً ورمالاً وبحراً وكثباناً، سِراً وجهراً، فإنْ لم نكن كالحقيقة التي أرادها لنا ربّنا، ومَيّزتنا السماء عن غيرنا، وننظُر إلى الأشياء كالحقيقة، وأكثر ما أخشاهُ على شُعوبنا، أنْ يَضِيع بأسهم بين غوغائية عامّتنا وبين مطامع الغُرباء في أرضنا.؛
إني أقول لكم الحقيقة ، لا نُريد أنْ نخطأ كما أخطأ غيرنا منذ زمن بعيد، فالغُرباء يبحثون عن عثرةٍ أو خطأٍ أو سلبية أو نرتكب حماقة لها علاقة بأمتنا وأخلاقنا أو نزاع بيننا ، فتتشرذم أُمّتنا وتتفرّق ، ويسهل تمزيقها ، وأرى أنه من منافع قومنا بالوادي وأعراب الرمال والبحار ، أنْ يكون بيننا تحالف نُظهر فيه قُوتنا ونُظهر من خلاله قوام عُروبتنا ، ومكانة أمّتنا ، فنحن أعراباً في نشأتنا وبَدْواً في جُذورنا وأصْلابنا ، عُرفنا بالقوة والصلابة والأنفة العالية والعِزّة والكرامة التي لا تُضاهيها كرامة في البحر والرمال .
ولذلك أيها الاخوة الأعزاء الكرام، أتحدّث إليكم، من مُنطلق أنّ ما يَمَسّ السيح المُتحد، يَمَسّ كل القرى رملية أو جبلية أو بحرية، كما يمسّ بالدرجة الأولى اسم عُروبتنا المُتمثلة في منظومة واحدة، رمال الوادي الصغير.
 
ولكي لا نخرج عن منظومتنا الواحدة نُقاوم بها أعداؤنا الغربيين أولاً والشرقيين تالياً، تحالفاً مُشتركاً، قوامَه قوة تتحدّى القوة الالتفافية التي يُبدونها لنا، غربيهم وشرقيهم على السواء، مُبغضين لأمّتنا وتاريخها القويم ويَهابون تحالفنا، ولا يثقون بكَ كصديق إلاّ إذا كنت قوياً، وتتساوى في قوتهم، اقتصاداً وتسليحاً واتحاداً وتحالفاً يَضمن لك البقاء بينهم.
وأمّا إذا بقينا مُشتتين ومُمَزقين، فإنّ تركيبتنا النظرية في مَنظورهم نفعية لا تخضع لما نُفرضه عليهم من قيود واشتراطات ويَعتبرونها لا معنوية لها ولا نقاوة فيها.. وفي حديثنا هذا، نُذكّركم بأنّ الغرب والشرق على شفا حافة اقتسام مُدّخراتنا وكنوزنا واستباحة مُقدراتنا وأموالنا، وغداً قد لا نعلم ما الذي سوف يفعلون بنا.. ولذا وجبَ تفتيت ذلك الدّور المُتعاظم بتحالف كبير يجمعنا، كمصدر قوة وإجْماع من كافة القرى والأحياء في منظومة الوادي الصغير، ومن خلاله نُؤكد للغُرباء كافة أنّ أطماعهم في كنوزنا يجب أنْ تتوقّف وأنّ عقيدتنا أصيلة لا تندثر مهما بدتْ طُرقاتها مُختلفة وأنّ أساليب الغُرباء وأفكارهم نفعية، مُستوحاة من أهداف يَدّعونها بالمنافع، وكلّ قِيَمها استجابة لذلك الدّور النّفعي، ولا أخلاق تُبرر الوسيلة غير أنّ الغاية والهدف، نفعية النّظرة.
 
تنحنح أعور العين، حكيم مجتمع الوادي الصغير وأردف مُؤيداً حديث ثابت وقيادته:
 
ـ تحالف الوادي الصغير، تحالف مُلزم لجميع القرى والاحياء المُرتبطة به، في منظومة مُتكاملة باسم الوادي الصغير.. بشرط أنْ تكون القيادة في أيدي رجال الوادي، ونحن مُؤمنين بكل قوة ومُطلعين على كل أحوال أمّتنا ومدركين بقضايا أمّة الاعراب جميعاً فهي بأيدينا وليستْ في أيدي أعداؤنا، وتركيبتنا الجغرافية آمنة ونستطيع التعايش ومُواصلة البقاء بدون الغُرباء، أعداء أمّتنا.
ألقى نظرة إلى ثابت ثم أكمل حديثه.. ونحن في الوادي الصغير ، ننظُر إلى مُستقبلنا بأنفسنا دون وصاية أحد ، شرقاً أو غرباً، بل نحن على يقين بأنّ الغُرباء ذو الوجوه الحُمر المُكتنزة سوف يُوجهون ضربة استباقية او انتقامية من الشرقيين البيض ذو العيون الزرقاء ، لأجل خلخلة منظومة الوادي ، ولا نستبعد مُطلقاً أنْ يقوم البِيْض ذو العيون الزرقاء بدفع أحياء فارعي الطول والمساحات البحرية المُجاورة لقرية البحر الضيّق والواقعة على مشارف البحر الكبير والتي يستمسك بها رجال الوادي بكل ما أوتوا من قوة لأنها منذ القِدم خاضعة تحت سيطرتهم التأريخية وتدخل تحت مَظلة نظام الوادي الصغير والغربيون لهم مطامع فيها كثيرة وكبيرة ولن يتورّعون عن إثارة زعزعة مُجتمع الوادي والمُساومة على قرية البحر وما يلحق بها ، من قُرى جبلية مُحصنة ،كقرية الأعلى وقرية الجبل والقرية المُلوّنة ، وقد ذُكرت ـ القرية المُلونة ـ في الأساطير التأريخية المُتناقلة ، أنها قرية ذات ألوانٍ خلّدتها السماء لتكون فيضٌ من نور القوة العظيمة .. وفي كتاب نُؤمن به، ونتلوهُ بفرح الفيض واستبشار السّخاء، بأنّ نِعمة ومِنّة الربّ الأعلى أفاضها على بشرية الرجل الغابر الذي علقتْ به أغبرة الخروج من فيض النور إلى حياة يُستخرج منها كل شيء، تخرج من بطونها مآكل ومشارب لا تفنى بفناء مُدد بقاء نسل الرجل الغابر عليها.؛
 
وإني أقول لكم على بصيرة من أمري فلا تُلقوا بعدها معاذير وحُجج تُلزمونني بها ، أنّ الغُرباء وأكرر ، أنّ الغُرباء ديدنهم وتركيزهم ينصبّ على قرية البحر الضيّق، وقد فرّقوا أهلها وجزّؤوها إلى جبال وماء وإلى قطع مُتجاورة من يابسة مُتصلة ومقطوعة ، وقسّموها إلى جزئين ، جُزء به ماء عميق وقرية عالقة للأعراب لتمكين قوتهم بعيداً عن فارعي الطول وذو العيون السُود وجزء ضحل وجبال بحرية صغيرة مُقطعة للذين يُجاوروننا " فارعي الطول وذي العيون السُود وحتى ذو العيون الجاحظة " في تقسيمات مزدوجة ، تجعل كل الجوار البحري في تبعيّة مُستمرة لذوي الوجوه الحُمر المُكتنزة وأفكارهم وعقولهم وأنفسهم مُغلقة في محراب الغربيين ، ودائمة بسيطرة مُتناهية ، عالية الاحساس بمشاعر آحادية النظرة، ولتبقى آفاق البُعد الواحد ، عالقة في وعي الجوار البحري والذين يُجاورنهم من فارعي الطول وذوي العيون الجاحظة.
وقد عُرف الوادي الصغير لدى الغربيين بـ جوهرة الاعراب ويخشون تناوش الاعراب وجَديّة رجعتهم إلى الشرقيين، فيُمنونهم بضمّ الأحياء القريبة من البحر إلى الوادي الصغير.
لذا فإنّ اهتمام الغربيين بالوادي الصغير ليس عادياً، إنهم يُسخرون عرباً خونةً لخدمتهم كأمثال فلوع وفالع ثم يُنشئون أعراباً يُعادونهم ويتحالف الغُرباء معهم ضدّ الخونة، ورغم ذلك ظلّ ثابت، ثابتاً كالصخرة لا يلين.؛ لم يتغيّر ولم يتبدّل.. كتب أحد الغربيين عن ثابت كتاباً عادياً لكنه مهم جداً قال مُؤلفه، إنّ ثابت أعرابي ماكر متقلب الفكر والمزاج، يُقلب كفّيه فيؤلّب عليك المجتمع في أقل من نهار.. فإن كان معك، فإن الازمة لم تمكث طويلاً تذوب كما تذوب حبات الثلج على الرمال، إنه رجل ذو عقلية غير عادية، يتمتّع بدهاء لم أر مثله دهاء ومكر، ثقافته بما يُحيطه به قوية جداً يصل إلى حدّ الحدث الأبرز في تاريخ الاعراب.. ثابت يُلقبه قومه بـ أبو الثوابت.. رجل غني بتراث أجداده الذين عاشوا على بقايا ما تركه لهم آباؤهم الذين صنعوا تاريخاً حاضراً ينبض بحضارة امتدّت طويلاً وخلدّت فنوناً وعادات وقيم وتراثاً بحرياً ماجداً لآلاف من السنين.. تأريخ الوادي الصغير وما يُحيط به من رمال وكثبان وقرى محصّنة وقرى بحرية وساحل طويل وحارات امتدت إلى أقصى رمال الأعراب أفقيًا وذاع صيتها أرجاء معمورة الاعراب وانتشرت في الشرق والغرب وكان امتدادها له أثر جميل من التآلف ومحبة الإنسان في المشرق والمغرب.
لذا أرى أنّ نظرة أعراب الوادي الصغير إلى ذلك التأريخ نظرة إلتزام بكلّ جِد وعزم وقوة، وقد اطلعت على غِيرة البدوي، بدو الرمال خصوصاً لا يُحبذون تسميتهم بأنهم عرباً، بل يقولون، أنهم أعراباً بنص كتابهم العظيم، ويُفندون مدلول الكلمتان العرب والأعراب، فالعرب هم الذين استوطنوا واختلطوا بغرباء اما الاعراب فهم بدواً لا يختلطون، ويعتبرون الخلط في نطفهم وأمشاجهم تقطيع لصلاتهم بالبدو أعراب الرمال والكثبان.

ونصيحتي، أنّ الغرباء لا يهتمون بكم، ولكنهم يشغلوكم بأفكار فوضوية فلا تجدون بعدها غير مكاناً ضائعاً، تبدو للوهلة الأولى لخدمة الرمال والأرض والجبال والبحر الكبير وبحر القرية العالقة والبحر الضيّق لكنهم يحملون في طيّات أنفسهم تمزيق أواصرنا بالجوار البحري وتشتيت تقاربنا بالقرية المُلونة بقرية البحر الضّحل، وإبْقائنا على تفرّق وتشتّت وتمزّق، وما ذلك إلا تخوّف من الغربيين لئلّا تتقارب أفكار الشرقيين مع منظومة الوادي الصغير.. أو تحالفنا معهم أو حتى مع بعضنا البعض.؛
 
    قال مُحسن الشيخ، وهو يسحب نفساً عميقاً ويهزّ رأسه:
 
ـ وأنا أضيف إلى ما تحدّث فيه حكيم الوادي، بأنّ مخزون أمكنتنا ثرية يسيل على أثرها لُعاب القوتين الشرقية والغربية، ولا يجب أنْ ندع اختصامهم على رمالنا ولا نترك الحبل على غاربه، بل علينا واجباً قومياً بحماية أمننا في بحرنا الكبير، فهم يجتمعون ليس لمصلحتنا ولكن لمنافع لهم، فإضعافنا ونهب ثرواتنا وإذلالنا بتواجدهم، وحيث أنّ هذه المرحلة حرجة للغاية.. فـ ثابت تنحىّ وابْتعد مُنصرفاً إلى شأنه لأمر يخصّه، ورغم ذلك فإنه يَلزمنا الحذر، فتنازل ثابت عن قيادة الوادي هو تخليه عن سُلطة كان مسؤولاً عنها، وأخشى أن تكون لُعبة التخلي بهذه الطريقة المُفاجئة والمُدهشة لها ما وراءها.؛
وأرى كما ترون، بأنّه من الضرورة بمكان الوقوف عن بُعد فالمرحلة شاقة على أرضنا وعلينا أن نكفّ عن الزيادة في الشُقة والتخاصم ويتحتّم علينا أن نقف في المُنتصف ولا نميل لأحد منهما، وكما قال الحكيم التفكير المُتعقّل وعدم الدخول في نزاعات القوتين الكبيرتين هو الأكثر صواباً عندي.؛ وحتى لا نكون طرفاً في خصامهما.. ووقوفنا في طرف مُحايد يُقلل من فرص الخطر على مصالحنا القومية.؛ على عكس لو سَعْينا بالتخابر لخداع أحدهما على الاخر، سوف نتسبّب لإغْضاب الطرف المُختلف مَع الطرف الآخر وربُما نزيد من إشعال الفتنة بأيدينا، ولكن السؤال الذي يُحيّرني.. هل سيلتزم الخصوم في بحرنا وعلى أرضنا باحترام القِيَم والأخلاق دون تضييق.. وهل نستطيع إقناعهم بأن يحملوا نزاعهم بعيداً عن الرمال والكثبان وعن السيح المالح والساحل الطويل والحارات العشر وعن القرى المُحصّنة كقرية البحر الضيّق وبحرنا الكبير وقرية التراث والقرية العتيقة.
وتمتم في نفسه.. الحاجة أشدّ إلحاحاً إلى ذلك الرجل الأصيل وماسّة للغاية لإنقاذ الوادي وتبديد ما نشعُر به من قلق وتوتّر واضطراب في محاجر الجبال الراسخة، وإنْ لم نفعل شيئاً فسوف تزداد المخاوف.
مدّ عينيه وكأنه يستلهم من بُعد نظرته دهاء ذلك الرجل العظيم ثابت.. وكأنه يُحادثه، يا سيدي، نهبوا خزائن رمالنا وهاجموا سُفن بحرنا الكبير وقرصنوا ساحلنا الطويل وأضاعوا هيبتنا، فهل لك من كلمة تردّ بها أفكارنا إلى حلّ يُعيد إلينا ثِقة مُستقرّة بعيداً عن زعزعة الغُرباء المُتناقضة على أرضنا وبحرنا الكبير.

التفت إلى أحدهم كان إلى جانبه وقد أسدل لحيته على صدره:
 
ـ الخوف يزداد من القوتين المُدمّرتين في البحر الكبير، ويزداد أكثر بإدخال القوة الحادية عشرة كشريك فاعل في أرض الاعراب ، وأخشى أنْ تنطوي وعود الغرُباء إلى كلمات برّاقة كاذبة وتنزلق نحو القوة الحادية عشرة وإدخالها كشريك فاعل على مُجتمع الوادي والحارات وقرية البحر الضيّق وأحياء الرمال والكثبان وتبدو هي الصّفقة التي حذّر منها ذلك الرجل العظيم ثابت ، حين قال ، لا يغرنكم الكلام المعسول من الغربيين والشرقيين وأنّ القوة الحادية عشرة كيان خطير وباطن جسيم يخترق رمال الاعراب ولإنْ استقرّت القوة الحادية عشرة في البحر المُلَوّن ، بحر المرجان ، فلن نستطيع مُقاومتها أو صدّها ، فإنْ هيَ وُجدت لن ترحل أبداً .. ذلك ما حذّر منه ثابت الاعراب جميعاً بحراً وأرضاً ورمالاً وكثباناً، وأراهُ صادق القول وصافيّ النية، ورجل يستحق التقدير والاحترام.؛
 
همس الرجل ذي اللحية الطويلة من اعراب الكثبان:
 
ـ ما بالك يا رجل، تتحدّث بهذا القول، وقد وصلنا إلى نهاية التوافق إلى تحالف يجمعنا، بقيادة الرجل الشريف مُحسن الشيخ، إبن القرية التاسعة.؛
 
بدا على الرجال المُجتمعين ملامح عدم ثقة في قيادة مُحسن الشيخ، للتحالف الجديد " تحالف الوادي الصغير ".
 يتبع 22

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة