الذكاء الاصطناعي.. محرك القرارات الإدارية في المستقبل

 

خالد بن حمد الرواحي

في عصر تهيمن فيه البيانات وتتسارع فيه التطورات التكنولوجية، لم يعد اتخاذ القرار الإداري مجرد عملية تعتمد على الخبرة والتقدير الشخصي فقط، بل أصبح الذكاء الاصطناعي شريكًا استراتيجيًا في صياغة قرارات دقيقة وفعّالة. الذكاء الاصطناعي ليس مجرد تقنية مساعدة، بل هو قوة محورية قادرة على إعادة تعريف الإدارة وتوجيه المؤسسات نحو مستقبل أكثر ابتكارًا ونجاحًا.

في ورقة بحثية حديثة نُشرت لنا في يناير 2025 بمجلة "أتلانتس" المغربية العلمية المُحكمة، تناولنا دور الذكاء الاصطناعي في اتخاذ القرارات الإدارية، مع التركيز على كيفية تعظيم الفوائد وتجاوز التحديات. وقد أظهرت النتائج بوضوح أن المؤسسات التي تبنّت الذكاء الاصطناعي سجلت تحسينات ملحوظة في الكفاءة التشغيلية بنسبة تصل إلى 35%، وارتفعت مستويات رضا الموظفين والعملاء بشكل كبير.

تخيَّل منظومة إدارية قادرة على تحليل آلاف البيانات في ثوانٍ، واقتراح قرارات مبنية على معطيات دقيقة، والتنبؤ بالمخاطر قبل وقوعها. هذا ليس خيالًا علميًا، بل هو واقع تحققه الشركات الرائدة مثل Google وTesla، التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتطوير منتجات مبتكرة وتحسين تجارب العملاء. في القطاع الحكومي، كانت تجربة سنغافورة لافتة؛ حيث أسهمت الأنظمة الذكية في تحسين تخصيص الموارد وتقليل التكاليف التشغيلية، مع تعزيز رضا المواطنين.

وللتغلب على هذه التحديات، أشارت الدراسة إلى أن الحل يبدأ من الإنسان، بتأهيل العاملين وتزويدهم بالمهارات اللازمة لاستخدام الأنظمة الذكية بكفاءة. هذا الاستثمار في العقول لا يقتصر على رفع الكفاءة، بل يُمكّن المؤسسات من تحقيق أقصى استفادة من التكنولوجيا الحديثة. في الوقت نفسه، لا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحقق أثره المطلوب دون بنية تحتية قوية تدعمه. لذلك، أكدت الدراسة ضرورة تعزيز البنية التكنولوجية لضمان دمج سلس وفعال لهذه التقنية في العمليات اليومية. أما الجانب الأخلاقي، فهو لا يقل أهمية، إذ شددت الدراسة على أهمية وضع قوانين واضحة تحمي البيانات وتضمن استخدامها بشفافية، لتبني الثقة في التكنولوجيا وتعزيز مصداقيتها.

لكن، كما هو الحال مع أي تحول كبير، لا تخلو الطريق من التحديات. الورقة البحثية أشارت إلى أن ارتفاع تكاليف تنفيذ الأنظمة الذكية ونقص الكفاءات المتخصصة في التعامل معها يمثلان أبرز العقبات. كما يبرز بُعد أخلاقي مهم يتعلق باستخدام البيانات وحمايتها.

والذكاء الاصطناعي ليس مجرد رفاهية تكنولوجية؛ بل هو ضرورة حتمية للمؤسسات التي تطمح للبقاء في صدارة المنافسة. المؤسسات التي تفهم كيف تستثمر في هذه التقنية ستتمكن من تعزيز قدراتها، وتقليل التكاليف، وتحقيق نمو مستدام.

وعندما نلقي نظرة على المؤسسات الأكثر نجاحًا، نجد أن الذكاء الاصطناعي لم يكن فقط أداة تقنية، بل شريكًا استراتيجيًا. الورقة البحثية التي استند إليها هذا المقال ليست مجرد تحليل أكاديمي، بل هي دعوة مفتوحة للمؤسسات العربية للبدء في رحلة التحول الرقمي. الذكاء الاصطناعي يحمل وعودًا لا حدود لها، لكنه يتطلب قيادة واعية ورؤية استراتيجية لتحقيق التغيير المطلوب.

والتغيير لا يبدأ من التقنية وحدها؛ بل من القادة الذين يعرفون كيف يستثمرونها لتحويل مؤسساتهم، فمن يُتقن توظيف الذكاء الاصطناعي اليوم، يصنع قرارات أفضل ويؤسس لمستقبل أكثر إشراقًا.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة