عادل بن رمضان مستهيل
منذ سنوات، تتردد فكرة "الشرق الأوسط الجديد" كمشروع سياسي وجيوسياسي يستهدف إعادة تشكيل خارطة المنطقة بما يخدم مصالح القوى الكبرى ويضمن أمن إسرائيل كأولوية استراتيجية.
هذه الرؤية- التي ارتبطت بأسماء بارزة مثل المفكر الأمريكي برنارد لويس ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق شمعون بيريز- عادت لتطفو على السطح مع موجات الاضطرابات والفوضى التي شهدتها المنطقة في العقدين الأخيرين.
و-يشير المؤرخ الأمريكي برنارد لويس إلى أن إعادة رسم حدود الشرق الأوسط يمكن أن يتم من خلال تقسيم الدول القائمة إلى كيانات أصغر تقوم على أسس طائفية وعرقية. هذه الكيانات ستكون أضعف من أن تمثل تهديدًا حقيقيًا للقوى الكبرى أو لإسرائيل، وهو ما يضمن سهولة التحكم بها سياسيًا واقتصاديًا.
في السياق ذاته، قدم شمعون بيريز رؤيته الخاصة للمنطقة في كتابه "الشرق الأوسط الجديد" عام 1993؛ حيث تحدث عن شراكة اقتصادية وسياسية بين دول المنطقة، لكن تحت مظلة الهيمنة الإسرائيلية. هذه الرؤية، وإن ظهرت بوجه دبلوماسي، فإنها تحمل في طياتها بعدًا استراتيجيًا يتمثل في ضمان بقاء إسرائيل القوة الإقليمية الأبرز.
وفي منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، برز مصطلح "الفوضى الخلَّاقة" الذي تبنته كوندوليزا رايس، وزيرة الخارجية الأمريكية سابقًا، كأداة رئيسية لتحقيق هذا المشروع. الفكرة تقوم على إثارة الأزمات والصراعات في المنطقة، بهدف زعزعة استقرار الدول وإعادة تشكيلها وفق الرؤية المطلوبة. ومن الواضح أن موجات "الربيع العربي"، رغم تطلعات الشعوب للحرية والعدالة، تم استغلالها كأداة لإضعاف الدول وإشغالها بصراعات داخلية مدمرة.
وحين انطلقت شرارة "الربيع العربي" من تونس، كانت الآمال كبيرة في أن تشهد المنطقة تحولًا نحو الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. لكن سرعان ما تحول الحلم إلى كابوس في العديد من البلدان.
ليبيا: انهارت الدولة المركزية بعد سقوط نظام القذافي، ودخلت البلاد في دوامة صراعات مسلحة بين ميليشيات وقوى إقليمية ودولية.
سوريا: انتقلت الاحتجاجات السلمية إلى حرب شاملة، لتتحول البلاد إلى ساحة صراع دولي وإقليمي، أسفرت عن تهجير الملايين وقتل مئات الآلاف.
اليمن: دخلت البلاد في حرب أهلية مدمرة، زادت من تعقيداتها التدخلات الخارجية.
العراق ولبنان: تفاقمت الأزمات الطائفية فيهما، مع تصاعد النفوذ الإيراني في المنطقة، واشتداد الصراعات السياسية الداخلية.
ومن اللافت أن تنفيذ هذه الرؤية لا يتم دفعة واحدة، بل بشكل متدرج، وبما يخدم الأجندات المختلفة لكل طرف. القوى الدولية الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا، تستفيد من هذه التحولات لترسيخ نفوذها الاستراتيجي في المنطقة. القوى الإقليمية، مثل إيران وتركيا، تستغل الفوضى لتوسيع مناطق نفوذها الجيوسياسي. أما إسرائيل، فتبدو المستفيد الأكبر، إذ أن انهيار الدول الكبرى في المنطقة وظهور كيانات أصغر يجعل أمنها أكثر ضمانًا من ذي قبل.
ما يحدث اليوم في الشرق الأوسط، من تفكك دول مثل سوريا واليمن وليبيا، وتصاعد النزاعات الطائفية في العراق ولبنان، يعكس ملامح هذا المشروع. ومع ذلك، لا يمكن إغفال دور القوى المحلية في تسهيل تنفيذ هذه المخططات، سواء بدافع المصالح الضيقة أو بسبب غياب رؤية استراتيجية موحدة للمنطقة.
وفي النهاية، يبدو أن الشرق الأوسط يمر بمرحلة إعادة تشكل قد تستغرق سنوات طويلة. ورغم كل ذلك، يبقى الأمل معقودًا على وعي الشعوب وقدرتها على مواجهة هذه المخططات، والتأكيد على أن إرادة الشعوب قد تكون أقوى من كل المشاريع الخارجية.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.