سالم بن سلطان العبري
عندما بدأت مراسمُ استقبال سلطان عُمان على أرض قصر الرئاسة التركيّ في غابات أتاتورك، عادت عقاربُ الزمن بجنود العسكر العثمانيين إلى زمن سلاطينهم الذين خلدهمُ التاريخُ في بطولاتهم وانتصاراتهم.
ولكنّ السلطان الذي اصطفوا لتحيته وأعلنوا جاهزيّتهم واستعدادهم أمامه هو قائدٌ عصريٌّ، يحملُ إرث أمجاد الفتوحات والبطولات. فقد كانوا أمام سلطانٍ لدولةٍ عظيمةٍ، كانت في يومٍ من الأيام إمبراطوريةً خلدها التاريخُ، كما خُلّدت الدولةُ العثمانيةُ التي رفعت راية الإسلام شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوب الأناضول. وكذلك، كان العُمانيون ينشرون الإسلام في سواحل أفريقيا وكنجنيقا، ويعبرون المحيطات بشراعهم إلى كانتون الصينية.
وبينما كانت السفينةُ العُمانيةُ "سلطانة" تُبحرُ لتُرسل أول سفيرٍ عربيٍّ إلى الولايات المتحدة الأمريكية، أرض الديمقراطية الجديدة، كانت تركيا الحرةُ تؤسسُ دستورها الانتخابيّ. تلك المشاهدُ كلها ربما تجسدت في مخيلة العسكر الأتراك الذين وقفوا لاستقبال سلطان دولةٍ عظيمةٍ أخرى، هي سلطنةُ عُمان.
وصل حضرة صاحب الجلالة السلطانُ هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- إلى تركيا، وكان في استقباله الرئيسُ رجب طيب أردوغان، الذي يدركُ تمامًا أن ضيفه ليس كأيّ ضيفٍ آخر. فهو ليس رئيسًا أو أميرًا أو شيخًا، بل هو "سلطان"، والسلطانُ في تاريخ تركيا هو رمزُ القيادة والحكمة والمجد والتاريخ والمستقبل.
يُدركُ الرئيسُ التركيُّ أن سلطنة عُمان ليست دولةً عادية؛ بل هي دولةٌ ذاتُ عمقٍ رفيع المستوى، بشعبها، وإسلامها، وتاريخها. وكقارئٍ للتاريخ الإسلاميّ، يعلمُ أن عُمان وأهلها قد ورد ذكرُهم على لسان رسول الله محمدٍ، صلى الله عليه وسلم، بأعظم الصفات. كما إنه يعلمُ أن السلطان هيثم بن طارق جاء من أجل الخير والسلام، وتبادل المصالح النبيلة؛ فهو سلطانُ أرضٍ لا تُنبتُ إلا الطيب، ولا يخرجُ منها إلا ما يفيدُ الجميع.
وانعكاسًا لهذه القيم، كانت الاتفاقياتُ التي جرى توقيعُها بين الجانبين تمهيدًا لعهدٍ جديدٍ من التعاون في مجالات التعليم، الصحة، الاقتصاد، التجارة، والثقافة. بل حتى الشتاء التركيّ القارس ستدفئهُ غازاتُ عُمان.
ومن بين الخطوات التاريخية التي شهدتها الزيارةُ، كان الاتفاقُ على التعاون في الصناعات العسكرية، مما يمثلُ نقلةً نوعيةً لسلطنة عُمان في عهدها الجديد. هذا العهدُ الذي يقودهُ السلطانُ هيثم بن طارق، القائدُ الذي عاهد شعبه، في اليوم المبارك 11 يناير 2020، أن يكرس حياته لرفع شأن عُمان عاليًا.
إنها زيارةٌ لا تنحصرُ في مظاهر الاستقبال الرسمية؛ بل تجسدُ تاريخًا عريقًا، وروابط أخويةً بين دولتين وشعبين يجمعُهما الإسلامُ، التاريخُ، والمستقبلُ المشرقُ. وها هو تاريخٌ جديدٌ يُكتبُ بأنقرة.