خريف صلالة جمال يتجدد كل عام

 

 

م. فتحى نوار  *

عندما يُذكر خريف صلالة، تتبادر إلى ذهني صور تنبض بالحياة وتأخذني إلى عوالم من السحر والجمال الذي لا يُضاهى. كمُقيم يعيش في سلطنة عُمان منذ أكثر من اثني عشر عامًا، أجد نفسي مستمتعًا بتجربة هذا الفصل الفريد، محاطًا برائحة الأرض المبتلة وأصوات الطبيعة التي تملأ الأجواء، مما يلهمني لكتابة حكاية تمتزج فيها روعة الطبيعة بصفاء الروح.

صلالة.. اللؤلؤة الخضراء لعُمان، تتحول خلال فترة الخريف إلى لوحة فنية متحركة، حيث تتراقص السحب فوق جبالها وتغمر الأمطار أرضها، لتنتعش الطبيعة وتكتسي بحلة خضراء بديعة. هذا التحول الموسمي ليس مجرد ظاهرة طبيعية، بل هو تجربة حسية تأخذك في رحلة بين أحضان الطبيعة، لتشعر بالسلام الداخلي والانبهار بجمال الخلق.

تبدأ الأمطار الموسمية في أواخر يونيو وتمتد حتى سبتمبر، لتضفي على صلالة طقسًا فريدًا ومنعشًا. تتفتح الأزهار البرية وتنهمر الشلالات، وتتحول الأودية إلى حدائق غناء تسر الناظرين. وادي دربات بشلالاته المتدفقة، وسهول المغسيل بشواطئها الرملية البيضاء، وكهف المرنيف بأسراره الجيولوجية، وعين آثوم بشلالاتها البديعة، وعين جرزيز، وعين صحلنوت، وعين كور بلونها الفيروزي الساحر، كلها مواقع تضيف إلى خريف صلالة سحرًا لا يقاوم.

إن خريف صلالة هو دعوة لكل من يسعى للهروب من صخب الحياة اليومية، وللبحث عن ملاذ هادئ يعيد للروح توازنها. هناك، بين ثنايا الطبيعة، يمكن للزائر أن يجد نفسه، ويستمتع بلحظات من التأمل والسكينة. التأمل في تلك المناظر الخلابة يفتح أبواب الذهن على مصراعيها، ويمنح الكاتب أو الفنان إلهامًا لا ينضب.

ولا تكتمل تجربة خريف صلالة دون استكشاف الثقافة العُمانية الغنية، التي تبرز في كرم الضيافة والتقاليد العريقة. التفاعل مع العُمانيين من سكان هذه الأماكن، والاستمتاع بالمأكولات التقليدية، كالمضابي المنتشرة في كل مكان وخاصة الموجودة في منطقة إيتين، والمأكولات البحرية الطازجة، يضفي على الرحلة بعدًا إنسانيًا يجعل الزائر يشعر وكأنه جزء من هذه الأرض الطيبة.

كمقيم، أجد نفسي مستمتعًا بكل زاوية في صلالة وكأنها قصيدة. أصف كيف يمكن للزائر أن يستيقظ على صوت رذاذ المطر، ويستمتع برائحة الهواء النقي في السهول الخضراء، وكيف يمكنه أن يقضي ساعات في استكشاف الجبال والكهوف، أو الاسترخاء على الشواطئ الممتدة على طول الساحل الجنوبي لعُمان، أو الغوص في التراث الثقافي والتاريخي للمنطقة.

ختامًا، إن خريف صلالة ليس مجرد فصل من السنة، بل هو تجربة تتجدد كل عام لتمنح الزائرين فرصة لإعادة اكتشاف جمال الطبيعة وجوهر الإنسانية. إن سحر خريف صلالة يكمن في قدرته على لمس الروح وإلهام القلوب، مما يجعله موسمًا ينتظره الجميع بشغف وشوق. إنها دعوة لكل من يبحث عن الجمال والسلام، ليأتي ويختبر بنفسه روعة هذا الفصل الفريد في واحدة من أجمل بقاع الأرض، في صلالة، أرض الأصالة وعروس عُمان بل والجزيرة العربية بلا منافس.

 

* مستثمر مصرى

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة