تجربتي في البرلمان الأوروبي والأمل العربي

 

خالد بن زايد الخنبشي **

 

كتبت هذا بعد عودتي من زيارة لبروكسل، بالتحديد مقر البرلمان والمفوضية ومجلس دول الاتحاد الأوروبي، الزيارة كانت بتنظيم من الجامعة بحكم التخصص في العلاقات والاتصال الاستراتيجي، الهدف منها التعرف عن كثب على طريقة صنع القرار في الاتحاد الأوروبي، وهذه الزيارة أعادت إلى ذهني رجوة إنشــاء الاتحاد العربي، لمَ لا ونحن نستفيد من خبرات البشرية، نستوعبها ونطبقها على طريقتنا الخاصة، تتناسب مع قيمنا وعاداتنا ومجتمعاتنا.

كان الهدف من الزيارة التعرف على آلية صنع القرار في البرلمان الأوربي، بدءًا من المفوضية وحتى مرحلة التصويت في البرلمان، كنت مهتمًا بالتحديد بالدور الذي تلعبه جماعات الضغط في المفوضية، وطريقتها في التعامل مع المقترحات التي تقدمها جماعات الضغط، خاصة قضية المزارعين الأوروبيين التي وصل صداها للعالم أجمع، والفشل المدوي للبرلمان في اتخاذ قرارات تكون لصالح هؤلاء المزارعين، حتى دفعهم الوضع للخروج في الشوارع بجراراتهم. حضرت المؤتمر بمعية مجموعة من الطلبة في التخصص، وقدم المؤتمر نخبة موظفي الاتحاد الأوروبي، أهمهم المسؤول عن تخطيط السياسة المالية للاتحاد ومديرة العلاقات العامة والمسؤولة عن سجل الشفافية في البرلمان.

قدمت الأخيرة شرحها عن المنهجية التي تتبعها المفوضية لتلقي مقترحات المواطنين الأوروبيين عن طريق ممثليهم في جماعات الضغط Lobbyists، ودراسة هذه المقترحات بمشورة جميع أصحاب المصلحة، حتى يرسل المقترح في الأخير لمجلس دول الاتحاد الأوروبي والبرلمان إما لإرجاعه للتعديل للمفوضية أو التصويت النهائي في البرلمان، ولأني كنت على ثقة بوجود ثغرات في البرلمان من خلال متابعتي لقضايا الاتحاد الأوروبي ومديح الأوروبيين للتجربة الأمريكية الأكثر صرامة في التعامل مع جماعات الضغط، سألت المسؤولة هذا السؤال: إذا كان البرلمان وُضع لمصلحة الأوروبيين، لماذا فشل في اتخاذ قرارات قدمتها مجموعة الضغط التي تُمثل المزارعين الأوروبيين "كوبا كوجيكا copa-cogeca"؟ قالت: "في الحقيقة، لا يوجد سجل شفافية كامل في العالم!" قلت لها: هل يمكنك أن تقولي هذا الكلام علنًا للمزارعين والشعوب الأوروبية؟، فلم أر منها سوى ابتسامة عريضة، وسمعت ضحكات أصدقائي في الخلف!

أزمة المزارعين كشفت عن أحد العيوب في البرلمان الأوروبي، وهي أن سجل الشفافية في الاتحاد لا يزال معيبًا في الكشف عن توجهات ممثلي جماعات الضغط وطرق الرشاوي أو المنافع التي يتلقونها، وأن بعضهم يتعامل بازدواجية عندنا يقدم قضايا الأشخاص الذين يمثلهم أمام مسؤولي المفوضية، بحيث يعمل لصالح شركات كبرى أو نخبة أو أصحاب مصلحة آخرين مقابل ما يعطوه من منفعة، وهذا ما حصل بالضبط مع قضية المزارعين، فقد اتهم الأخير بأنه كان يعمل لصالح بعض الشركات الكبرى ولم يتحرك بالشكل المناسب لكشف الضرر الحاصل للمزارعين الأوروبيين لدى المفوضية ثم يدفعها لاتخاذ قرار لصالحهم، ولم يقدم حجتهم بطريقة تدفع مسؤولة المفوضية أورسولا فون در لاين لتقديم توصيتها لمجلس الاتحاد الأوروبي ثم البرلمان الأوروبي للتصويت، حتى اضطروا في الأخير إلى عزله من منصبه واستبداله.

عندما أتابع مشكلات المزارعين في الاتحاد الأوروبي ألحظ وجود حلقة ناقصة في السلسلة، وهي أن البرلمان فشل في التعامل مع أزمة مزارعين خرجوا بجراراتهم في دول أوروبا وألقوا بروث الحيوانات في كبرى العواصم مثل بروكسل، لكنه نجح في إجبار شركة كبرى مثل "آبل" على عمل منفذ USB C في هواتفها الجديدة، كيف يعقل ذلك؟! الحقيقة تكمن في تغلغل الأمريكان في البرلمان الأوروبي ونفوذهم فيه.

المزارعون قد تضرروا بالفعل من وجود الخضار والفواكه الأوكرانية في السوق الأوروبي، فقد أُعفيت من الضرائب وأصبحت تغزوا الأسواق برخص ثمنها و"قلة جودتها" حسب قول المزارعين، لكن عندما تقرأ الأخبار الأوروبية المؤيدة للبرلمان تجدها تصرح أن المزارعين خرجوا بسبب قيود البرلمان في استخدام المبيدات والأسمدة! أما إذا حين تسمع المزارعين في الشارع وبعض القنوات تجدهم يعانون من تأثير الأزمة الأوكرانية في الموضوع!

هذه التجربة أعادت في ذهني تطبيق فكرة البرلمان العربي المأمول لا الحالي المتهالك، ففينا الخير والإمكانية لنقل التجربة واستيعابها وتطويرها، تكون بشفافية تامة وعقوبات رادعة لا تقبل التلاعب لاتخاذ قرارات من أجل مصالح لا تنفع الجميع، نعم يمكن تطبيق تجربة الأوروبيين لتكون برلمانًا عربيًا بامتياز، لم لا ونحن نستفيد من بعضنا ونكمل بعض، فإن نهضة الأمم عندما تحدث تستفيد من علوم الغير لا  تبدأ من الصفر، تمامًا مثلما حصل مع الحضارة الإسلامية، فقد استفادت من الحضارات الأخرى السابقة مثل الفارسية واليونانية والإغريقية، وقد حصل هذا أيضا مع الأوروبيين عندما تعرفوا على نهضة المسلمين في العصور الوسطى، فقد كانوا منبهرين من مدى تقدم علومهم ونهضتهم، ونشأت حركات ترجمة واسعة تنقل معارف المسلمين إلى لغاتهم، وها نحن اليوم نسير نفس المسلك، فإننا لا ننطلق إلا عندما نطبق نفس المنهج.

** مبعوث عماني في المملكة المتحدة

تعليق عبر الفيس بوك