التنظيم الإداري العماني واللامركزية

 

أحمد بن سعيد العلوي

abuyaasr@gmail.com 

إن الفاحص للتحولات التي طرأت عبر الزمن على أدوار ووظائف الدولة، فرضت على هذه الأخيرة التنويع من أساليب تدخلها في الشأن العام وإشراك فاعلين جددا في مسلسل تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتقديم الخدمات المتنوعة، سيما خدمات القرب.

لأجل ذلك، تعتمد الدول في العموم أحد أسلوبين في تنظيمها الإداري؛ إما المركزية الإدارية، أو اللامركزية الإدارية، حيث يتجه الأسلوب الأول والأقدم في الظهور إلى حصر الوظيفة الإدارية في أيدي السلطة التنفيذية وحدها في العاصمة دون وجود سلطات إدارية أخرى مستقلة عنها، بينما يتجه أسلوب اللامركزية الإدارية نحو توزيع الوظيفة الإدارية ومشاركة هيئات وسلطات لامركزية.

إن مفهوم اللامركزية الإدارية يقوم على أساس اعتراف المشرع بالشخصية الاعتبارية للوحدات اللامركزية، فلو أخذنا مثلا التنظيم الإداري المغربي فهو يقسم الوحدات اللامركزية إلى وحدات مرفقية تسمى بالمؤسسات العمومية، أو وحدات ترابية (إقليمية) تسمى بالجماعات الترابية، بحيث تمارس هذه الوحدات جزء من الاختصاصات الإدارية تحت ما يسمى بالوصاية أو المراقبة الإدارية.

وبالحديث عن اللامركزية الإدارية، فإنها قد تكون لامركزية تقنية أو مرفقية، تمارس من خلال المؤسسات العمومية. وإما أن تكون لامركزية ترابية أو إقليمية، تمارسها مختلف أصناف الجماعات الترابية.

تاريخياً، نجد أن التنظيم الإداري العماني مر بمجموعة من المراحل، مراحل بلورت معالمه الحالية. قبل أن تظهر بوادر حقيقية تعد مؤشرا مهما نحو اعتماد مجموعة من الإصلاحات، تهيئ سلطنة عمان مستقبلا نحو اعتماد اللامركزية الترابية إلى جانب المركزية، كأسلوب جديد للإدارة والتدبير، وليس أدل على ذلك مما نص عليه صراحة الفصل الخامس من النظام الأساسي للدولة والصادر بالمرسوم السلطاني رقم 6/2021، حيث تم التأكيد في هذا الفصل على أهمية الإدارة المحلية، وضرورة تنظيمها، ووضع آليات عملها، بإصدار مجموعة من المراسيم السلطانية.

والعودة للنظام الأساسي للدولة، نجده يضع صاحب الجلالة السلطان المعظم في أعلى هرم السلطة الإدارية المركزية؛ فهو يطلع برئاسة المجالس الدستورية (التشريعية والتنفيذية والقضائية)، والتعيين في المناصب الأساسية بما في ذلك مؤسسة مجلس الوزراء، فجلالة السلطان يعيِّن كافة الوزراء الذين يسهرون على تدبير الوزارات التي هم بصدد الإشراف عليها، لذا فإن مؤسسة الوزير داخل التنظيم الإداري العماني تشكل الأداة الرئيسة لتنفيذ السياسة العامة للدولة، حيث نجد أن جميع المرافق العمومية داخل الدولة يتم ربطها مباشرة بالإدارة المركزية عبر الوزارات المختلفة.

لقد حظي التقسيم الإداري لسلطنة عمان باهتمام كبير من قبل المشرع العماني؛ حيث صدر في العام 1991 مرسوم سلطاني بخصوص التقسيم الإداري للسلطنة، بحيث قسمت إلى ثماني محافظات، تبعا للتقطيع المكاني، تقسيم تم توسعته في العام 2011 بصدور المرسوم السلطاني رقم 114 /2011، بحيث أصبح عدد المحافظات أحد عشرة محافظة، وقد تم انشاء المحافظات لدعم عدم التركيز الإداري داخل السلطنة، من خلال نقل مجموعة من الاختصاصات لتلك المحافظات، والتي تتولى بدورها تنفيذ سياسة الدولة داخل مجالها الجغرافي، ويكون على رأسها محافظ يتم تعيينه من قبل جلالة السلطان.

ولتدعيم أسلوب عدم التركيز الإداري، تم الاعتماد على تقنية التفويض كأداة لتخفيف العبء عن الإدارة المركزية ومنح المحافظات الشخصية الاعتبارية والاستقلالية المالية والإدارية (تحت اشراف وزير الداخلية) لمعالجة بعض الأمور محليا دون الرجوع إلى المركز.

ومع صدور المرسوم السلطاني 36/2022 بإصدار نظام المحافظات وتحديد اختصاصاتها يظهر جليا أن المشرع العماني يسرع الخطى لإحداث تغييرات جوهرية نحو تعزيز دور المحافظات تمهيدا لمنحها مزيدا من الصلاحيات والاستقلالية وفق نظام إداري لامركزي يتقاسم مع الإدارة المركزية مهام إدارة الشؤون المحلية في المحافظات.

تعليق عبر الفيس بوك