مُسمَّيات مُدننا.. ولغتنا المتراجعة!

 

 

سليمان المجيني

tafaseel@gmail.com

أخذت المُصطلحات الأجنبية تغزو سماء عُمان رويدًا رويدًا، حينما نتحدث بهذا الأمر فلا يعني أننا مُتزمِّتون أو من ذوي الاستعلاء والتكبر أو غير ذلك، وإنما نقصد غِيرتنا على الغنى الذي تتصف به عربيتنا؛ فلغتنا قادت العالم لمئات السنين ورسمت خطًّا طلائعيًّا لا يُمكن تخطيه لمجرد التفوُّق الغربي في مجال إنشاء المدن والمجمعات الحضرية الحديثة، والعربية ما زالت موجودة إلى اليوم في قصور ومساجد الأندلس.

الحقيقة أنَّنا نمرُّ على أسماء أجنبية في بلداننا العربية بشكل عام لمجرد أن الثقافة تغيرت ولكن، باعتقادي، أن أسماء المدن هي رموز للأماكن وهيئتها وهيبتها، والأمر لا يخلو من تذكير بما حدث ويحدث من تغييرات مقصودة لأسماء أماكن ومدن كانت في الأساس عربية خالصة، ولو أننا لا نمضي إلى مَبْلَغ ما وصلت إليه تلك المدن لكنَّنا نفرح حينما تتجسد اللغة العربية في مسميات مدننا وقرانا.

استلهمتُ هذا الموضوع من خلال تغريدة بوسائل التواصل، ولو أنَّ الموضوع لا يستحق الإشارة والتنبيه إليه لما أثار حفيظة الآخرين الغيورين على اللغة العربية، إنما المرء وطني عربي بحت أراد من اللغة أن تمتطي أفقا آخر بتسميات المدن الحديثة؛ فهناك من اخترع "داون تاون" وتعني قلب أو مركز المدينة، وهناك "سيتي سنتر" وتعني أيضا مركز المدينة أو هكذا يُترجم المصطلحان، لكنَّ لغتنا أقوى وأكثر تنوعا واتساعا من حيث إيجاد مسميات للمكانين بشكل مختلف على الأقل في لغتنا العربية.

ما أودُّ طرحه هو ضرورة الاهتمام بدمج اللغة العربية في كل شيء؛ لأننا بلد عربي في الأساس ويمكن أن نكون أكثر حذرًا في وضع مسمياتنا سواء على مدننا أو منتجاتنا أو أي شيء يخرج من هذا البلد أو أي بلد عربي؛ فاللغة أداة تخاطب وإسكان وبيئة وأعمال وعلم وأداة اقتصاد، ولا يقتصر الأمر على المهتمين باللغة العربية بل يصعد الأمر ليكون على المستوى القومي لأنها الهوية والمقصد، بل وأرجو اشتراط قوة اللغة العربية كلغة وثقافة في أي مسؤول يرتقي سلم المسؤولية العليا وليس شرطا إجادة لغة أخرى وإنما تفضيلا.

ويُدرك الجميع أهمية اللغة (أي لغة) في فهم العلوم وديمومتها وانتشارها بين الناس، بل وتبسيطها؛ لذا فإن ترجمة هذه العلوم وتقديمها باللغة العربية في الجامعات أمر في غاية الأهمية إذا كان الهدف هو التعليم والفهم بغير ما يحدث الآن من تراكم الشهادات بغير علم ودراية بعد أن تبدأ الذاكرة التي حفظتها في النضوب بعد انتظار الوظيفة.

من يفهم العلم الذي تعلمه تجده أكثر سكونا من الداخل، وأكثر تفكيرا وتمحيصا، وأكثر اتزانا وهي صفة ملازمة لمن نقابلهم من الغربيين، ولا نجد ذلك متوفرا في نظرائهم ممن تعلم العلوم بلغة أخرى إلا القليل لأن هؤلاء القليل فهموا العلم ولم يحفظوه كغيرهم.

النظرة الشمولية للموضوع في غاية الأهمية ليس لأن اللغة العربية سوف تختفي بمثل هذه المسميات أو سوف يشغل الموضوع واضعي المناهج، بل لن نستطيع طباعة كتاب (حتى الكتب المدرسية في المستقبل) بدون مصطلح أو كلمة أجنبية، ستبدأ اللغة الأجنبية الدخول لكتبنا كأنها لغتنا وليست لغة أخرى.

لست هنا مُتحيزا لشيء بعينه؛ فامتلاك لغة أخرى في غاية الأهمية وهو مطلب ضروري للمتخصصين، ومهم لغير المتخصصين، لكنه لا يشكل أهمية كبرى، هنا المسألة تختلف؛ فعندما يأتي جيل من المسؤولين تشربوا اللغة العربية ودرسوها لن تكون المصطلحات أو المسميات الأجنبية سوى حافز لإعمال العقول وحفزها لإنتاج مصطلحات أو مسميات عربية خالصة في غاية الروعة، بل ربما يتبناها الغرب كما تبنوا مسميات عربية لبعض الخضار والفاكهة وحتى الأماكن، وكما تبنى العرب حديثا مسميات أجنبية أيضا في تسمية بعض محلاتهم التجارية ومدنهم الجديدة.

ووضع المسميات الأجنبية لمدننا يعني استجلاب الحضارة الغربية إلى المدن العربية مما يستدعي استحداث بعض السلوكيات وهي مسؤولية عظيمة، قد لا ندركها اليوم؛ لذا لا بد من مجابهتها بعقل مستنير يخدم الجهة التي تخصه أو الأداة التي تشاركه المنجَز، واستعمال الاسم العربي للمدن يساعد في جذب الاستثمارات الأجنبية أكثر منه عن الاسم الأجنبي لأن المستثمر الأجنبي أو حتى العربي الذي سافر إلى أصقاع الدنيا اعتادوا تلك الأسماء وأَلِفوها وأصبحت لا تمثل شغفا كبيرا لهم.

المسميات الأجنبية في مدن عربية تعني أن لغتنا شحيحة وهو أمر غير حقيقي؛ مما يوحي بشيئين؛ الأول: أن اللغة العربية غير قادرة على مواكبة العصر، وثانيا: أن العقل العربي ما هو إلا تابع وليس له القدرة على اختلاق وإبداع مصطلحاته، وأنه متواكل كسول يأخذ بالأشياء الجاهزة المُعلَّبة وهو أمر أيضا غير حقيقي.

تعليق عبر الفيس بوك